كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 18 """"""
جبة من شعر وعباءة قد خلها على صدره بخلال ، فاستوقفنا ، فلما صار معنا قذفت في قلوبنا الهيبة والرعب ، وانقطعت ألسنتنا ، ونحن في هذا العدد الكثير وهو واحد ، فلم نقدر على أن نكلمه ونراجعه ونملأ أعيننا منه حتى رجعنا إليك ، وقصوا عليه كلام إلياس - ع - . فقال آجاب : لا ننتفع بالحياة ما دام إلياس حياً . ما الذي منعكم أن تبطشوا به حين لقيتموه وتوثقوه وتأتوني به ، وأنتم تعلمون أنه طلبتي وعدوي . قالوا : أخبرناك بالذي منعنا منه ومن كلامه والبطش به . قال آجاب : ما يطلق إذاً إلياس إلا بالمكر والخديعة . فقيض له خمسين رجلاً من قومه ذوي قوة وبأس ، وعهد إليهم عهده ، وأمرهم بالاحتيال له والاغتيال به وأن يطمعوه في أنهم قد آمنوا به هم ومن وراءهم ، ليستنيم إليهم ويغتر بهم ، فيمكنهم من نفسه ، فيأتوا به الملك . فانطلقوا حتى ارتقوا ذلك الجبل الذي فيه إلياس - ع - ثم تفرقوا فيه وهم ينادونه بأعلى أصواتهم ويقولون : يا نبي الله ، ابرز لنا وأنت آمن على نفسك فإنا قد آمنا بك وصدقناك ، وملكنا آجاب ، وجميع بني إسرائيل يقرءون عليك السلام ويقولون : قد بلغتنا رسالة ربك ، وعرفنا ما قلت ، وآمنا بك ، و أجبناك على ما دعوتنا ، فهلم إلينا فأنت نبينا ورسول ربنا ، فأقم بين أظهرنا واحكم فينا ؛ فإنا ننقاد لما أمرتنا ، وننتهي عما نهيتنا ، وليس يسعك أن تتخلف عنا مع إيماننا وطاعتنا ، فتداركنا وأرجع إلينا . وكل هذا كان منهم مماكرة وخديعة . فلما سمع إلياس - ع - مقالتهم وقعت بقلبه وطمع في إيمانهم وخاف الله تعالى وأشفق من سخطه إن هو لم يظهر لهم ولم يجبهم بعد الذي سمع منهم . فلما أجمع على أن يبرز لهم رجع إلى نفسه فقال : لو أني دعوت الله عز وجل وسألته أن يعلمني ما في أنفسهم ويطلعني على حقيقة أمرهم . فقال : اللهم إن كانوا صادقين فيما يقولون فأذن لي في البروز إليهم ، وإن كانوا كاذبين فاكفنيهم وارمهم بنار تحرقهم . فما استتم قوله حتى حصبوا بالنار من فوقهم ، فاحترقوا أجمعين .
قال : وبلغ آجاب الخبر فلم يرتدع ، واحتال ثانياً في أمر إلياس ، وجهز فئة أخرى مثل عدد أولئك أقوى منهم وتمكن في الحيلة والرأي ، فأقبلوا حتى ارتقوا

الصفحة 18