كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
ومما أخبر به عيسى - ع - من المغيبات قصة ابن العجوز . وكان من خبره ما حكاه أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله أن عيسى - ع - مر في سياحته بمدينة ومعه الحواريون ، فقال : إن في هذه المدينة كنزا ، فمن يذهب فيستخرجه ؟ . قالوا : يا روح الله ، لا يدخل هذه القرية غريب إلا قتلوه . فقال لهم : مكانكم حتى أعود إليكم ، ومضى حتى دخل المدينة فوقف بباب فقال : السلام عليكم يأهل الدار ، غريب أطعموه . فقالت له امرأة عجوز : أما ترضى أن أدعك لا أذهب بك إلى الوالي حتى تقول أطعموني شيئاً . فبينا عيسى بالباب إذ أقبل ابن العجوز فقال له عيسى : يا عبد الله ، أضفني ليلتك هذه . فقال له الفتى مثل مقالة العجوز . فقال له عيسى : أما إنك لو فعلت ذلك زوجتك بنت الملك . فقال له الفتى : إما أن تكون مجنوناً ، وإما أن تكون عيسى بن مريم . قال : أنا عيسى . فأضافه وبات عنده . فلما أصبح قال له : اغد وادخل على الملك وقل له : جئت أخطب ابنتك فإنه سيأمر بضربك وإخراجك . فمضى الفتى حتى دخل على الملك وقال له : جئت أخطب إليك ابنتك ، فأمر به فضرب وأخرج . ورجع الفتى إلى عيسى فأخبره ، فقال له : إذا كان الغد فاذهب إليه واخطب إليه فإنه ينالك بدون ذلك . ففعل ما أمر عيسى ، فضربه الملك دون ذلك . فرجع إلى عيسى فأخبره ، فقال : إرجع إليه واخطبها فإنه سوف يقول لك : إني أزوجك إياها على حكمى ، وحكمى قصر من ذهب وفضة ، وما فيه من فضة وزبرجد ، فقل له : أفعل ذلك . فإذا بعث معك فاخرج فإنك سوف تجده فلا تحدث فيه شيئاً . فدخل عليه فخطب إليه ، فقال : تصدقها حكمى ؟ فقال : وما حكمك ؟ فحكم الذي سمي له عيسى . فقال له : نعم ، ابعث من يقبض ذلك . فبعث معه قوماً ، فدفع إليهم ما سأله الملك . فعجب الملك من ذلك وسلم إليه ابنته . فتعجب الفتى وقال لعيسى : يا روح الله ، تقدر على مثل هذا وأنت على مثل هذه الحال . قال عيسى : لأنني آثرت ما يبقى على هذا الفاني . فقال الفتى : وأنا أدعه وأصحبك . فتخلى من الدنيا واتبع عيسى . فأخذ بيده وأتى أصحابه وقال : هذا هو الكنز الذي قلت لكم . فكان ابن العجوز مع عيسى حتى مات . والله أعلم .