كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 183 """"""
فرغ قذف بعظامه في جلده وضربه بعصاه وقال : قم بإذن الله تعالى ، فقام العجل وله خوار . فقال : يا صاحب البقر خذ عجلك . قال : ويحك من أنت ؟ قال : أنا عيسى بن مريم . قال : عيسى السحار ثم فر منه . فقال عيسى لصاحبه : بالذي أحيا لك العجل ، كم كان معك من رغيف ؟ قال : ما كان معي إلا رغيف واحد ، فسكت عيسى . ومضيا حتى دخلا قرية ، فنزل عيسى في أسفلها واليهودي في أعلاها ، فأخذ اليهودي عصا عيسى وقال : أنا الآن أبرئ المرضى وأحيي الموتى . قال : وكان ملك تلك المدينة مريضاً مدنفاً . فانطلق اليهودي ينادي : من يبتغي طبيباً ، حتى أتى قصر الملك ، فأخبر بوجعه ، فقال : أدخلوني عليه فأنا ابرئه ، وإن لقيتموه قد مات فأنا أحييه . فقيل له : إن وجع الملك قد أعيا الأطباء قبلك ، فليس من طبيب يداويه ولا يشفيه إلا صلبه . فقال : أدخلوني عليه ، فأدخلوه فضرب الملك بعصاه فمات . فعجل يضربه بالعصا وهو ميت ويقول : قم بإذن الله . فأخذ ليصلب . فبلغ ذلك عيسى ، فأقبل إليه وقد رفع على الخشبة ، فقال لهم : أرأيتم إن أحييت لكم الملك أتتركون لي صاحبي ؟ قالوا نعم . فدعا الله تعالى - ع - فأحياه وقام وأنزل اليهودي من الخشبة ، فقال : يا عيسى ، أنت أعظم الناس علي منة ، والله لا أفارقك أبداً . فقال له عيسى : أنشدك الله الذي أحيا الظبي والعجل بعد ما أكلناهما ، وأحيا هذا بعد ما مات ، وأنزلك من الجذع بعد ما صلبت ، كم كان معك من رغيف ؟ قال : والله ما كان معي إلا رغيف واحد ، قال : لا بأس . ثم انطلقا حتى أتيا قرية عظيمة خربة فيها كنز وفيها ثلاث لبنات من ذهب . فقال الرجل لعيسى : هذا المال لك ؟ فقال : أجل واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة للذي أكل الرغيف الثالث . فقال اليهودي : أنا والله أكلته وأنت تصلي . فقال عيسى : هي لك كلها . فانطلق عيسى وتركه قائماً ينظر وهو لا يستطيع أن يحمل واحدة منهن ، وكلما أراد أن يحمل واحدة ثقلت عليه . فقال له عيسى : دعه فإن له أهلاً يهلكون عليه . فجعلت نفس اليهودي تطلع إلى المال ويكره أن يعصى عيسى ويعجز عن حمله . فانطلق مع عيسى ، فبينما هما كذلك إذ مر بالمال ثلاثة نفر فأقاموا عليه . فقال اثنان منها لصاحبهما : انطلق إلى أهل هذه القرية فأتنا بطعام وشراب ودواب وحمل هذا المال عليها . فلما ذهب صاحبهما قال أحدهما للآخر : هل لك أن نقتله إذا رجع ونقتسم المال فيما بيننا ؟ قال نعم . وقال الذي ذهب في نفسه : هو ذا أجعل في الطعام سماً فإذا أكلاه ماتا ويصير المال كله إلي ، ففعل ذلك . فلما رجع إليهما قتلاه ، ثم أكلا الطعام فماتا . ومر - ع - بهم وهم

الصفحة 183