كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
موتى حوله ، فقال : هكذا تصنع الدنيا بأهلها ، فأحياهم بإذن الله عز وجل ، فاعتبروا ومروا ولم يأخذوا من المال شيئاً . فتطلعت نفسي اليهودي صاحب عيسى إلى المال فقال : أعطني المال . فقال له عيسى : خذه فهو حظك من الدنيا والآخرة . فلما ذهب اليهودي ليحمله خسف الله تعالى به الأرض ، وانطلق عيسى - ع - .
ذكر خبر المائدة التي أنزلها الله عز وجل من السماء
قال وهب : وسأل بنو إسرائيل عيسى بن مريم - ع - أن ينزل عليهم مائدة من السماء . قال الله تعالى : " إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ، قالوا نريد أن نأكل منهما وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين " . وقرأ علي وعائشة وسعيد بن جبير ومجاهد رضي الله عنهم " هل تستطيع ربك " بالتاء المثناة من أعلاها ونصب الباء الموحدة في ربك واختاره الكسائي فأبو عبيد على معنى هل تستطيع أن تدعو ربك وتسأل ربك . قالوا : لأن الحواريين لم يكونوا شاكين في قدرة الله تعالى . وقرأ الباقون " يستطيع ربك " بالياء المثناة من تحتها ورفع الباء وقالوا : إنهم لم يشكوا في قدرة الله تعالى وإنما معناها هل ينزل أم لا ، كما يقول الرجل لصاحبه : هل تستطيع أن تنهض معي وهو يعلم أنه يستطيع ، وإنما يريد هل يفعل أم لا ، وأجراه بعضهم على الظاهر فقالوا : غلط القوم وكانوا بشراً ، فقال لهم عيسى - ع - استعظاماً لقولهم : " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " معناه أن تشكوا في قدرة الله أو تنسبوه إلى عجز أو نقصان . وقيل : قال لهم : اتقوا الله أن تسألوه شيئاً لم تسأله الأمم قبلكم . قالوا : إنما سألنا لأنا نريد أن نأكل منها فتستيقن قدرته وتطمئن وتسكن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا بأنك رسول الله ، ونكون عليها من الشاهدين ، فنقر لله بالوحدانية والقدرة ، ولك بالرسالة والنبوة ، وقيل : ونكون عليها من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم . قال الكسائي : فأمرهم عيسى بصيام ثلاثين يوماً وأن الله بعد ذلك يطعمهم وينزلها عليهم . فصاموا حتى تم الأجل ، فقام عيسى وصلى وسأل الله تعالى وقال : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين " . قال قوله : " عيداً " أي عائدة من الله علينا وحجة وبرهاناً . والعيد اسم لما أعدته وعاد إليك من كل شيء ؛ ومنه قيل ليوم الفطر ويوم