كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
صغاراً ثم قال : اقعدوا في روضة وترفقوا رفاقاً ، كل رفقة عشرة . ثم قام عيسى - ع - ودعا الله تعالى فاستجاب الله له ونزل فيها البركة ، فصار خبزاً صحاحاً وسمكاً صحاحاً . ثم قام عيسى فجعل يلقى في كل رفقة ما حملت أصابعه ، ثم قال : كلوا باسم الله ، فجعل الطعام يكثر حتى بلغ ركبهم ، فأكلوا ما شاء الله وفضل منه ، والناس خمسة آلاف ونيف . فقال الناس جميعاً : نشهد أنك عبد لله ورسوله . ثم سألوه مرة أخرى ، فدعا الله تعالى ، فأنزل الله خبزاً وسمكاً ، خمسة أرغفة وسمكتين ، فصنع بها ما صنع في المرة الأولى . فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا هذا الحديث ضحك منهم من لم يشهدها ، وقالوا لهم : ويحكم إنما سحر أعينكم ، فمن أراد الله تعالى به الخير ثبته على بصيرته ، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره . فمسخوا خنازير وليس فيهم صبي ولا امرأة . فمكثوا بذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ، ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا . وقال كعب : نزلت مائدة منكوسة من السماء تطير بها الملائكة بين السماء والأرض عليها كل طعام إلا اللحم . وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرة وعشية حيث كانوا كالمن والسلوى لبني إسرائيل . وقال يمان بن رئاب : كانوا يأكلون منها ما شاءوا . وروى عطاء بن أبي رباح عن سلمان الفارسي قال : لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم أن ينزل عليهم المائدة لبس صوفاً وبكى وقال : " اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء " الآية ، وأرزقنا عليها طعاماً نأكله ، وارزقنا وأنت خير الرازقين . فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من فوقها وغمامة من تحتها ، وهم ينظرون إليها وهي تهوي منقضة حتى سقطت بين أيديهم . فبكى عيسى وقال : " اللهم اجعلني من الشاكرين ، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ومثلة " والشهود ينظرون إليها ، ينظرون إلى شيء لم يروا مثله قط ، ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحه . فقال عيسى - ع - : ليقم أحسنكم عملاً فيكشف عنها ويذكر اسم الله ويأكل منها . فقال شمعون الصفا رأس الحوايين : أنت أولى بذلك منا . فقام عيسى - ع - فتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى بكاء كثيراً وكشف المنديل عنها وقال : باسم الله خير الرازقين . فإذا هو بسمكة مشوية ليس عليها