كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 188 """"""
فلوساً ولا شوك تسيل سيلاً من الدسم ، وعند رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها من أنواع البقول ما خلا الكراث ؛ وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث بيض ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد . قالوا : فلما استقرت بين يدي عيسى قال شمعون رأس الحواريين : أنت أولى يا روح الله ، أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة ؟ فقال عيسى - ع - : ليس شيء مما ترون ، ولكنه شيء افتعله الله تعالى بالقدرة الغالبة ، كلوا مما سألتم يمددكم ويزدكم من فضله . قال الحواريون : يا روح الله ، لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى فقال عيسى : يا سمكة احيي بإذن الله . فاضطربت السمكة وعادت عليها فلوسها وشوكها ففزعوا منها . فقال عيسى : ما لكم تسألون أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ، ما أخوفني عليكم أن تعذبوا يا سمكة عودي كما كنت بإذن الله تعالى . فعادت السمكة مشوية كما كانت . فقالوا : يا روح الله ، كن أول من يأكل منها ثم نأكل نحن . فقال عيسى : معاذ الله أن آكل منها ، ولكن يأكل منها من سألها ، فخافوا أن يأكلوا منها . فدعا عيسى - ع - أهل الزمانة والمرض وأهل البرص والجذام والمقعدين والمبتلين فقال : كلوا من رزق الله ولكم المهنأ ولغيركم البلاء . وفي رواية : كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واذكروا اسم الله . فأكلوا وصدروا عنها وهم ألف وثلاثمائة رجل وامرأة من فقير وزمن ومريض ومبتلى كلهم شبعان يتجشأ ، ثم نظر عيسى - ع - إلى السمكة فإذا هي كهيئتها حين نزلت من السماء . ثم طارت المائة صعداً وهم ينظرون إليها حتى توارت عنهم . فلم يأكل منها يومئذ زمن إلا صح ولا مريض إلا برأ ، ولا مبتلي إلا عوفين ولا فقير إلا استغنى ولم يزل غنياً حتى مات ؛ وندم الحواريون ومن لم يأكل منها إذ لم يأكلوا منها . وكانت إذا نزلت اجتمع الفقراء والأغنياء والصغار والكبار والرجال والنساء فيزدحمون عليها . فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبة بينهم ، فلبثت أربعين صباحاً تنزل ضحى ولا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعداً

الصفحة 188