كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 19 """"""
قلل تلك الجبال متفرقين ، وجعلوا ينادون : يا نبي الله ، إنا نعوذ بالله وبك من غضب الله وسطواته . إنا لسنا كالذين أتوك من قبلنا ، إن أولئك فرقة نافقت وخالفتنا ، فصاروا إليك ليكيدوك من غير رأينا ولا علم منا ، وذلك أنهم حسدونا وحسدوك ، وخرجوا إليك سراً ، ولو علمنا بهم لقتلناهم ولكفيناك مؤنتهم ، والآن فقد كفاك ربك أمرهم وأهلكهم بسوء نياتهم و انتقم لنا ولك منهم . فلما سمع إلياس - ع - مقالتهم دعا الله تعلى بدعوته الأولى ، فأمطر الله عليهم النار ، فاحترقوا عن آخرهم ، كل ذلك وابن الملك في البلاء الشديد من وجعه - كما وعده الله تعالى على لسان نبيه إلياس - لا يقضى عليه فيموت ، ولا يخفف عنه من عذابه . قال : فلما سمع الملك بهلاك أصحابه ثانياً ازداد غضباً إلى غضبه ، وأراد أن يخرج في طلب إلياس بنفسه ، إلا أنه شغله عن ذلك مرض ابنه فلم يمكنه ، فوجه نحو إلياس الكاتب المؤمن الذي هو كاتب امرأته رجاء أن يأنس به إلياس فينزل معه ، وأظهر للكاتب أنه لا يريد بإلياس سوءاً . وإنما أظهر له ذلك لما اطلع عليه من إيمانه ، وكان الملك مع إطلاعه يغض عنه لما هو عليه من الكفاية والأمانة والحكمة وسداد الرأي ، فوجهه نحوه ، وأرسل معه فئة من أصحابه ، وأوعز إلى الفئة دون الكاتب أن يوثقوا إلياس ويأتوه به إن أراد أن يتخلف منهم ، وإن جاء مع الكاتب واثقاً به آنساً بمكانه لم يوحشوه ولم يروعوه ، ثم أظهر آجاب للكاتب الإنابة وقال : إنه قد آن لي أن أتوب وأتعظ ، وقد أصابتنا بلايا من حريق أصحابنا والبلاء الذي فيه ابني ؛ وقد عرفت أن ذلك بدعوة إلياس ، ولست آمن أن يدعو على جميع من بقي منا فنهلك بدعوته . فانطلق إليه وأخبره أنا قد تبنا وأنبنا ، وأنه لا يصلحنا في توبتنا وما نريد من رضا ربنا وخلع أصنامنا إلا أن يكون إلياس بين أظهرنا يأمرنا وينهانا ، ويخبرنا بما يرضى به ربنا . وأمر الملك قومه فاعتزلوا الأصنام ، وقال له : أخبر إلياس بأنا قد خلعنا آلهتنا التي كنا نعبد وأرجأنا أمرها حتى ينزل إلياس إلينا ، فيكون هو الذي يحرقها ويهلكها وكان ذلك مكراً من الملك . فانطلق الكاتب والفئة حتى علوا الجبل

الصفحة 19