كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 191 """"""
عليك يوم تعلو فيه الخلائق كلها . فتكون السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن دونك ، وأنت فوق ذلك كله تدبر الأمر وتقسم الأرزاق . قال : فأعظم عيسى قوله وضاق به ذرعاً وسبح إعظاماً لما قال إبليس . قال : فأتاه جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب يلطم منها على وجهه فلا يملك من نفسه شيئاً حتى وقع بالخافق الأقصى ، ثم نهض بالذي أعطاه الله من القوة فسبق عيسى إلى أسفل العقبة فسدها وملأ كل ثلمة وطريق ، ثم قال لعيسى : لقد غضبت غضب إله عظيم ، وقد أخبرتك بأنك إله وما أنت من البشر ، ولو كنت من البشر ما قمت ، منذ فارقتك ، أربعين ليلة لم تطعم ولم تشرب ولم تنم ولم يضرع لذلك جسمك ، وهذا ما لا ينبغي لبشر . قال عيسى : إن جسدي ليألم مما يألم منه البشر ، وإني لأطعم وأشرب وأنام وأغفل وأفرح وأحزن وأجزع وأهلع وأحتاج إلى أن أتنظف بالماء وكيف تزعم أني إله وأنت تعلم أني هكذا . ولم يزل إبليس لعنه الله يحاوره حتى عرض عليه أن يأمر الشياطين بعبادته والاعتراف بربوبيته . فضاق عيسى ذرعاً وسبح لله تعالى فقال : " سبحان الله عما يقول وبحمده ، ملء سمائه وأرضه ، وعدد خلقه ، ورضا نفسه ، ومبلغ علمه ، ومنتهى كلماته ، وزنة عرشه " . فهبط جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فنفخه ميكائيل نفخة ذهب منها نحو مطلع الشمس حتى صدم عين الشمس عند طلوعها ، فخر حصيداً محترقاً ، فأتبعه إسرافيل فنفخه نحو مغرب الشمس فانطلق لا يملك من نفسه شيئاً حتى حاذى عيسى فقال : يا بن مريم ، لقد لقيت منك تعباً . ومرت به النفخة حتى وقع في العين الحامية التي تغرب الشمس فيها ، فلبث سبعة أيام وسبع ليال ، متى أراد الخروج منها غطته الملائكة بأجنحتها ، فما رام عيسى بعد ذلك . والله أعلم .
ذكر خبر عيسى مع اليهود حين ظفروا به وأرادوا صلبه وقتله
قال وهب : لما أوحى الله عز وجل إلى عيسى : " إني متوفيك ورافعك إلي " جزع من الموت جزعً شديداً وقال للحواريين : هذا الزمان الذي يقبض الله فيه الراعي ثم تفرق الرعية من بعده ، فعرفوا أنه يعني نفسه ، فبكوا

الصفحة 191