كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 192 """"""
وجزعوا ، فقال : لا تبكوا من حزن الفراق ، فسترون ما هو أشد منه ، ولست مفارقكم حتى يظفر بي عدوي ثم ياسرونني ، فلا تدفعوا عني ولا تمنعوا . قال : وطلابه اليهود ليقتلوه فاستخفى منهم ، فدلهم عليه يوذا وهو الذي ارتد عنه ، فأخذوه من غار جبل بيت لحم وجعلوا على رأسه إكليلاً من الشوك ليمثلوا به ، وجعلوا يلطمونه ويضربونه من خلفه ويقولون له : إن كنت نبياً كما تزعم فامنع عن نفسك وادع ربك فليحل بيننا وبينك ، وهو لا يكلمهم حتى طلع الفجر ، ونصبوا له خشبة ليصلبوه . فلما أرادوا أن يرفعوه عليها أظلم الجو ظلمة عظيمة لم تلبس الأرض مثلها ، وأرسل الله الملائكة فحالوا بينهم وبينه وصلبوا مكانه يوذا الذي دل عليه ، وأشرقت الشمس وقلب الله قلوب الناس وأبصارهم فجعلوا ينظرون إلى يوذا في صورة عيسى . قال الله تعالى : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " . قال : ولما رفعوا يوذا على الخشبة قال : يا هؤلاء ، إني أذكركم اله في دمي ، إني صاحبكم يوذا الذي دللتكم على عيسى . ثم أخبرهم خبر الظلمة وأن الملائكة حالوا بينهم وبين عيسى وجعلوه مكانه ، وأخبرهم بعلامات يعرفونها . فلما سمعوا ذلك منه زادهم عليه غيظاً وحنقاً وقالوا : ما أعظم سحره كيف اطلع بسحره على سرنا وما كنا نطويه دونه وقتلوه وهو صاحبهم .
ذكر خبر رفع عيسى عليه السلام أول مرة وهبوطه إلى الأرض ووصيته إلى الحواريين ورفعه ثانياً
قال : رفع الله تعالى عيسى لثلاث ساعات مضت من النهار ، فلبث في السماء أياماً ، قيل سبعة أيام ، وقيل أربعين يوماً . والله أعلم . ثم قال الله له : إن أعداءك اليهود أعجلوك عن الوصية والعهد إلى أصحابك ، فانزل إليهم واعهد لهم وأوصهم ، وانزل على مريم المجدلانية فإنها في غار في جبل الجليل . وكانت مريم المجدلانية من قرية من قرى أنطاكية يقال لها مجدل . وكانت من أوسط نساء بني إسرائيل حسباً ، وكانت أجمل نسائهم وأكثرهم مالاً ، وكانت تستحاض فلا تطهر أبداً وخطبها أشراف بني إسرائيل وملوكهم وامتنعت من إجابتهم ، فظنوا أن ذلك ترفعاً منهم ، وإنما كان

الصفحة 192