كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
بسبب ما يعرض لها . فلما ظهر عيسى - ع - وشاع ذكره أتته في جملة المرضى ليشفيها ، فخجلت أن تسأله لكثرة الناس حوله ، فجاءت من ورائه فمسته بيدها فزال عنها ما كانت تشكوه وطهرت وآمنت بعيسى ، وأنفقت مالها فيما أمرها به من وجوه البر ، وصارت فقيرة وتبتلت وتخلت للعبادة ، وكانت تعد من أصحاب عيسى . قال : وأمر الله تعالى عيسى أن يأمرها أن تجمع له الحواريين ، وأن تستخلف عليهم شمعون ، وأن يفرقهم دعاة إلى الله عز وجل في البلاد ، وأن يخبرهم بالعلامة التي تأتيهم من الله . ثم أهبطه الله تعالى على مريم فاشتعل الجبل نوراً ، وأتته بالحواريين ، فبلغهم رسالة ربهم ، وقال : إن آية ذلك أن تأتيكم الملائكة في ليلتكم هذه بمغارف فيها نور من نور الله ، فكل من تناول مغرفة منها فليلحس النور الذي فيها فإنه يصبح وقد تكلم بلغة القوم الذين بعث إليهم ويصبح وهو على باب مدينتهم . قال : والليلة التي هبط عيسى فيها هي الليلة التي تدخن فيها النصارى باللبان . قال : فما فرغ عيسى من وصيته إلى الحواريين رفع بعد سبعة أيام ، وتوفاه الله تعالى لثلاث ساعات من النهار ، ثم كساه الريش وألبسه النور ، وقطع عنه المطعم والمشرب وصار ملكياً إنسياً . قال وهب : برز عيسى - ع - للناس يوم برز وهو ابن ثلاثين سنة ، ولبث فيهم في نبوته وفيما كان الناس يرونه منه من العجائب والآيات ثلاث سنين ، ورفعه الله وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة . وحكى أبو إسحاق الثعلبي عن أهل التاريخ أن الله تعالى أوحى إلى عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، ورفعه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وتسعين سنة . وقد ورد في الحديث ما يدل على أنه رفع وله مائة وخمس وعشرون سنة . وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى في آخر السيرة النبوية على ما تقف إن شاء الله عليه هناك .
ذكر وفاة مريم بنت عمران عليها السلام
قال الكسائي قال كعب : ماتت مريم بنة عمران أم عيسى عليهما السلام قبل رفعه ، فدفنها في مشاريق بيت المقدس . وحكى الثعلبي رحمه الله أنها ماتت بعد رفع عيسى عليهما السلام . وقال في خبره : إنه لما صلب المشبه بعيسى جاءت مريم ابنة