كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 196 """"""
أصنامهم ، فأحبه الملك وقربه وسأله عن نسبه ، فأخبره أنه من بني إسرائيل وأنه بقية قوم انقرضوا ، ولم يكن له من يأنس به فاعتمدتكم رغبة في قربكم ، وحرصا على إخائكم . فقال الملك : قد قبلنا قولك وسودناك علينا ، فأنت أفضلنا وسيدنا . فلبث فيهم زمناً يصدرون عن رأيه . فلما تمكن أمره ابن الملك قال له : أيها الملك ، بلغني أنك سجنت رجلين كانا قد جاءك يدعوانك إلى غير دينك وإلى عبادة إله غير إلهك ، ويزعمان أن الله أرسلهما إليك ، وعجبت كيف اجترأا عليك . فماذا قلت لهما وما قالا لك ؟ وهل أجبتهما بما كان ينبغي لك من الجواب ؟ وهل سألتهما حين عظما لك ربهما أن يذكرا لك سائر عظمته ، أو أحييا لك ميتاً ، أو غير ذلك مما تعرف به مصداق قولهما ؟ قال الملك : لقد حال الغضب دون ما تقول . قال : فهل لك أن تدعوهما ؟ قال نعم . فأحضرهما بين يديه ، فقال لهما شمعون : أخبراني من أرسلكما إلى هذا الملك وقومه ؟ قالا : أرسلنا الله الذي هو على كل شيء قدير . فقال شمعون : صفا لي عظمته . قالا : هي أعظم من أن تحصى . قال : فأخبراني ماذا يبلغ من قدرته ؟ قالا : إن شئت وصفنا لك ما نطيق وصفه ، وصفته أعظم من طاقتنا ، وإن شئت وصفنا لك ذلك في كلمتين تكفيان من كلام كثير . قال : نعم ، صفا وأوجزا . قالا : إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . فوضع شمعون يده على رأسه كالمنكر لما قالا ، ثم أقبل عليهما وقال : إني أسألكما أمراً فإن قدر إلهكما عليه آمناً بكما . قالا : سل . قال : هل يقدر أن يخلق خلقاً ونحن ننظر إليه ؟ قالا نعم . قال : اعلما ما تقولان قالا : قد علمنا ، فمتى شئت أريناك . فعندها خلا شمعون بالملك وقال : أيها الملك ، إن هذين الرجلين ليسا ببعيدين من أن يكون ربهما كما قالا ، ولا أظنهما عرضا أنفسهما للملك لمثل هذا الموقف إلا وعندهما ثقة من إلههما . وإني أخشى أن يدعوا ربهما فيخلق خلقاً ينظر إليه الناس فيمرض ذلك قلوبهم ويزهدون في إلهك الذي تعبده ويذهبان بالصوب والشرف . فهل لك أن تدعوا إلهك فيخلق هذا الخلق الذي نريد أن نتمناه عليهما فيكون لك ولإلهك شرف هذا اليوم وصوبه ؟ . قال له الملك : ليس دونك سر ، إن هذا الإله الذي نعبد لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع ولا يحيي ولا يميت . فقال لهما شمعون : اعرضا علي بعض قدرة إلهكما فإن أجابكما وخلق الشيء على أعيننا ونحن ننظر إليه فقد صدقتما والقول قولكما . واجتمع الناس لينظروا . فأوحى الله إليهما أن سلاه ماذا يريد ، فإني مسخر لكما ما سألكما . قالا : قد أوحى إلينا أنه فاعل ما تسألنا ، فسلنا . وكان شمعون قد عهد في المدينة غلاماً مطموس الوجه لم يخلق له

الصفحة 196