كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
دونكما ادعوا أن يحييه إلهكما . فدعوا الله ، فالبث أن تفتقت عنه أكفانه ورد الله إليه روحه . فسألوه متى مات وماذا لقي . فقال : مت منذ سبعة أيام ، ثم عرضت على عملي فقذفت في سبعة أودية من نار ، وذكر ما في الأودية من العذاب والحيات وغير ذلك . قال : فلما صرت إلى الوادي السابع خفف عني العذاب . قالوا : فمن أين خفف عنك العذاب ؟ قال : أحياني الله ورد علي روحي ، فجاءني شيء مثل الريح فدخل في رأسي ، فلما صار في جسدي حييت ، ثم قيل لي : انظر فوقك ، فشخصت ببصري وفتحت أبواب السماء ، فنظرت فإذا برجل شاب حسن الوجه نحيف الجسم أبيض يخالطه حمرة متعلق بالعرض يشفع لهؤلاء الرهط الثلاثة ، يعني عيسى بن مريم . فقال له الملك : أي رهط تعني ؟ . قال : هذا الشيخ الأجلخ ، وهذا الكهل الأنزع ، وهذا الفتى الرجل . فما زالوا مجتهدين في الدعاء حتى شفعوا ، والشافع لهم مصغ إليهم بأذنه كأنه يسمع ما يقولون ثم يرفعه إلى الله فيدعو به . فلما فرغ من كلامه قال : إني أحذركم أيها القوم مثل ما كنت فيه ، فإنه لا إله إلا إله عيسى بن مريم وشمعون وبولس ويوحنا . قال شمعون : اعتصمنا بالله وتوكلنا عليه ، ثم اخبر الملك بخبره وخبر أصحابه ودعاهم إلى الله ، فمنهم من آمن ، ومنهم من تولى . وكان الملك ممن آمن به في عصبة يسيرة . وأرسل الله على من تولى منهم صيحة من السماء فإذا هم خامدون . قال : وكان قد نعى إلى الدهقان ابنه ، وكان اسم الدهقان حبيباً النجار ، ثم لم يلبث أن جاءته البشارة بحياة ابنه ، ولم يكن له ولد غيره ، وأخبر خبر الحواريين ، فآمن بهم قبل أن يراهم ، فأقبل مسرعاً . فلم قص عليه ابنه قصته ازداد أيماناً ويقيناً . قال وهب : فيقال : - والله أعلم - إن هذا هو الذي ذكره الله تعالى في قوله : " وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين " الآية . فأوجب الله له بكلامه الجنة ، وخير أن يعمر هو وابنه مائة عام أو يجعل بهما إلى الجنة ، فاختارا الجنة ؛ وهو قوله تعالى : " أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر " الآية . قال : ولم يزل يجاهد قومه قبل أن تأخذهم الصيحة ويدعوهم إلى الله حتى قتلوه ،