كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
الذي فيه إلياس - ع - ثم ناداه الكاتب ، فعرف إلياس صوته ، فتاقت نفسه إليه وأنس بمكانه وكان مشتاقاً إلى لقائه ، فأوحى الله تعالى إلى إلياس أن ابرز إلى أخيك الصالح فالقه وجدد العهد به ، فبرز إليه إلياس وسلم عليه وصالحه ، وقال له : ما الخبر ؟ قال له المؤمن : إنه قد بعثني إليك هذا الجبار الطاغية وقومه ، ثم قص عليه ما قالوا ثم قال وإني خائف إن رجعت إليه ولست معي أن يقتلني ، فمرني بما شئت أن أفعله وأنتهي إليه ، إن شئت انقطعت إليك وكنت معك وتركته ، وإن شئت جاهدته معك ، وإن شئت فأرسلني إليه بما تحب فأبلغه رسالتك ، وإن شئت دعوت ربك أن يجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً .
قال : فأوحى الله عز وجل إلى إلياس - ع - أن كل شيء جاءوك به مكر وخديعة ليظفروا بك ، وأن آجاب إن أخبرته رسله أنك قد لقيت هذا الرجل ولم يأت بك إليه اتهمه وعرف أنه قد داهن في أمرك ، فلم يأمن أن يقتله ، فانطلق معه فإن في انطلاقك معه عذره وبراءته عند آجاب ، وإني سأشغل عنكما آجاب ، وأضاعف على ابنه البلاء حتى لا يكون له هم غيره ، وأميته على شر حال ، فإذا مات فارجع عنه ولا تقم . فانطلق معهم حتى قدموا على آجاب ، فلما قدموا عليه شدد الله تعالى على ابنه الوجع ، وأخذه الموت ، فشغل الله تعالى آجاب وأصحابه بذلك عن إلياس ، فرجع إلياس سالماً إلى مكانه . فلما مات ابن آجاب وفرغوا منه وقل جزعه ، انتبه لإلياس وسأل عنه الكاتب الذي جاء به ، فقال : ليس لي به علم ، وذلك أنه شغلني عنه موت ابنك والجزع عليه ، ولم أكن أحسبك إلا قد استوثقت منه . فأضرب عنه آجاب وتركه لما كان فيه من الحزن على ابنه . فلما طال الأمر على إلياس مل الكمون في الجبال والمقام بها واشتاق إلى العمران وإلى الناس فنزل من الجبل ، وانطلق حتى نزل بامرأة من بني إسرائيل ، وهي أم يونس ابن متى ذي النون . فاستخفى عندها ستة أشهر ، ويونس مولود يومئذ يرضع ، وكانت أم يونس تخدمه بنفسها ، وتواسيه بذات يدها ، ولا تدخر عنه كرامة تقدر عليها . ثم إن إلياس سئم ضيق البيوت بعد مقامه بالجبال وسعتها ، فأحب أن يلتحق بالجبال فخرج وعاد إلى مكانه ، فجزعت أم يونس لفراقه وأوحشها فقده ، ثم لم تلبث إلا يسيراً حتى مات ابنها يونس حين فطمته ، فعظمت مصيبتها فيه ، فخرجت في