كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 202 """"""
وغسلوه وكفنوه ودفنوه . ويقال : إن الله تعالى بعد دفنه خسف بالملك وأولاده وأهله . والله أعلم . ولنصل أخبار الحواريين بخبر جرجيس وإن لم يكن منهم ، فقد كانت له قصة عجيبة تلتحق بهم .
ذكر خبر جرجيس رحمة الله عليه
قال أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله تعالى في كتابه المترجم بيواقيت البيان في قصص القرءان بإسناده عن وهب بن منبه قال : كان بالموصل ملك يقال له داديه ، وكان قد ملك الشام كله ودان له أهله ، وكان جباراً عاتياً ، وكان يعبد صنماً يقال له أفلون ، وكان جرجيس عبداً صالحاً من أهل فلسطين قد أدرك بقايا من حواريى عيسى - ع - ، وكان تاجراً عظيماً كثير المال عظيم الصدقة ، وكان لا يأمن ولاية المشركين عليه مخاف أن يفتنوه عن دينه . فخرج يريد الموصل ومعه مال يريد أن يهديه إليه حتى لا يجعل لأحد من الملوك عليه سلطاناً دونه . فجاءه حين جاءه وقد برز في مجلس له وأمر بصنمه أفلون فنصب وأوقد ناراً ، فمن لم يسجد لصنمه ألقي في النار . فلما رأى جرجيس ذلك قطع به وهاله وأعظمه وحدث نفسه بجهاده ، وألقى الله تعالى في نفسه بغضه ومجاهدته . فعمد إلى المال الذي أراد أن يهديه له فقسمه في أهل ملته حتى لم يبق منه شيء وكره أن يجاهده بالمال . ثم أقبل عليه وقال له : إنك عبد مملوك لا تملك لنفسك شيئاً ولا لغيرك ، وإن فوقك رباً هو الذي ملكك وغيرك ، وهو الذي خلقك ورزقك ويحييك ويميتك ويضرك وينفعك ، وإنك عمدت إلى خلق من خلقه قال له : كن ، فكان أصم أبكم لا ينطق ولا يسمع ولا يغني عنك من الله شيئاً ، فزينته بالذهب والفضة فتنة للناس ، ثم عبدته من دون الله . فكان من جواب الملك إياه أن سأله عن حاله وأمره ومن هو ومن أين هو . فأجابه جرجيس : أنا عبد الله وابن عبده وابن أمته أذل عباده وأفقرهم إليه ، من التراب خلقت

الصفحة 202