كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
الملك وأصحابه إلا وقد أقبل جرجيس قد وقف على رءوسهم وهو يدعوهم إلى الله تعالى . قال الملك : ما أشبه هذا بجرجيس قالوا : كأنه هو . قال الملك : ما بجرجيس من خفاء إنه لهو ، ألا ترون إلى سكون ريحه وقلة هيبته . قال جرجيس : أنا هو ، بئس القوم أنتم قتلتم ومثلتم فأحياني الله بقدرته ، فهلموا إلى هذا الرب العظيم الذي أراكم ما أراكم . فلما قال لهم ذلك أقبل بعضهم على بعض وقالوا : ساحر سحر أعينكم . وجمعوا من كان ببلادهم من السحرة . فلما جاءوا قال الملك لكبيرهم اعرض علي من كبير سحرك ما يقر عيني . قال : ادع لي بثور من البقر . فلما أتى به نفث في إحدى أذنيه فانشقت باثنتين ، ثم نفث في الأخرى فإذا هو ثوران ، ثم دعا ببذر فحرث وبذر ، فشب الزرع واستحصد ، ثم درس وذرى وطحن وعجن وخبز ، كل ذلك في ساعة واحدة . فقال الملك : هل تقدر أن تمسخه لي دابة ؟ قال الساحر : أي دابة أمسخه لك ؟ قال : كلباً . قال : ادع لي بقدح من ماء . فلما أتى بالقدح نفث فيه الساحر ثم قال : اعزم عليه أن يشر به ، فشربه جرجيس حتى أتى على آخره . فلما فرغ منه قال له الساحر : ماذا تجد ؟ قال : ما أجد إلا خيراً ، قد كنت عطشت فلطف الله بي بهذا الشراب فقواني به عليكم . فأقبل الساحر على الملك فقال له : اعلم أيها الملك إنك لو كنت تقاسي رجلاً مثلك إذاً لقد كنت غلبته ، ولكنك تقاسي جبار السموات والأرض . وهو الملك الذي لا يرام قال : وكانت امرأة مسكينة من أهل الشام سمعت بجرجيس وما يصنع من الأعاجيب ، فأتته وهو في أشد ما هو فيه من البلاء ، فقالت له : يا جرجيس ، إني امرأة مسكينة ولم يكن لي مال إلا ثوراً أحرث عليه فمات ، فجئتك لترحمني وتدعو الله تعالى أن يحيي لي ثوري . فذرفت عيناه ، ثم دعا الله تعالى أن يحيى لها ثورها ، وأعطاها عصاً وقال لها : اذهبي إلى ثورك فاقرعيه بهذه العصا وقولي له : احي بإذن الله . فقالت : يا جرجيس ، مات ثوري منذ أيام ومزقته السباع ، وبيني وبينه أيام . فقال : لو لم تجدي منه إلا سناً واحدة ثم قرعتها بالعصا لقام بإذن الله تعالى . فانطلقت حتى أتت مصرع ثورها ، وكان أول شيء بدا لها أحد روقيه وشعر أذنيه ، فجمعت أحدهما إلى الآخر ثم قرعتهما بالعصا وقالت كما أمرها ، فقام الثور بإذن الله تعالى وعملت عليه . قال : فلما قال الساحر للملك ما قال ، قال رجل من

الصفحة 205