كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
أصحاب الملك ، وكان أعظمهم من بعد الملك ، إنكم قد وضعتم أمر هذا الرجل على السحر ، وإنكم عذبتموه فلم يصل إليه عذابكم ، وقتلتموه فلم يمت ، فهل رأيتم ساحراً يدرأ عن نفسه الموت وأحيا ميتاً قط ؟ فقالوا له : إن كلامك رجل قد صغا إليه فلعله استهواك . فقال : بل آمنت بالله ، واشهدوا أني بريء مما تعبدون فقام إليه الملك وأصحابه بالخناجر فقتلوه . فلما رأى القوم ذلك اتبع جرجيس أربعة آلاف رجل . فعمد إليهم الملك فأوثقهم ، ثم لم يزل يعذبهم بأنواع العذاب حتى أفناهم . فلما فرغ منهم قال لجرجيس : هلا دعوت ربك فأحيا لك أصحابك هؤلاء الذي قتلوا بجريرتك . فقال له جرجيس : ما خلى بينك وبينهم حتى حان لهم . فقال رجل من عظماء أصحابه يقال له مخلنطيس : إنك زعمت يا جرجيس أن إلهك هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ، وإني سائلك أمراً إن فعله إلهك آمنت بك وصدقتك وكفيتك ، إن حولنا أربعة عشر كرسياً ومائدة ، وبيننا أقداح وصحاف وهي من أشجار شتى ، فادع إلهك ينشء هذه الكراسي والأواني كما بدأها أول مرة حتى تعود خضراء يعرف كل عود منها بلونه وورقه وزهره . فقال له جرجيس : قد سألت أمراً عزيزاً علي وعليك ، وإنه على الله لهين ، ودعا الله عز وجل ، فما برحوا من مكانهم حتى اخضرت تلك الكراسي والأواني كلها وساخت عروقها وألبست اللحاء وتشعبت فأورقت وأزهرت وأثمرت . فلما نظروا إلى ذلك انتدب له مخلنطيس الذي تمنى عليه ما تمنى فقال : أنا أعذب لكم هذا الساحر عذاباً يضل عنه كيده . فعمد إلى نحاس فصنع منه صورة ثور أجوف واسع ، ثم حشاه نفطاً ورصاصاً وكبريتاً وزرنيخاً ، ثم أدخل جرجيس مع الحشو في جوفه ، ثم أوقد تحت الصورة حتى التهبت وذاب كل شيء فيها واختلط ، ومات جرجيس في جوفها . فلما مات أرسل الله عز وجل ريحاً عاصفاً فملأت السماء سحاباً أسود مظلماً ، فيه رعد وبرق وصواعق ، وأرسل الله تبارك وتعالى اعصاراً ملأت بلادهم عجاجاً وقتاماً حتى اسود ما بين السماء والأرض ومكثوا أياماً متحيرين في تلك الظلمة لا يفصلون بين الليل والنهار ، وأرسل الله تعالى ميكائيل فاحتمل الصورة التي فيها جرجيس ، حتى إذا أقلها ضرب بها الأرض ففزع