كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
من وقعها أهل الشام أجمعون فخروا على وجوههم صعقين ، وانكسرت الصورة فخرج منها جرجيس حياً . فلما وقف يكلمهم انكشفت الظلمة وأسفر ما بين السماء والأرض ورجعت إليهم أنفسهم . فقال له رجل يقال له طرفلينا : لا ندري يا جرجيس أأنت تصنع هذه الأعاجيب أم ربك فإن كان ربك هو الذي يصنع هذا فادعه يحيى موتانا ؛ فإن في هذه القبور أمواتاً منه من يعرف ومنهم من لا يعرف . فقال له جرجيس : لقد علمت ما يصفح الله عنكم هذا الصفح ويريكم هذه الأعاجيب إلا كانت عليكم حجة ، فتستوجبوا غضبه ، ثم أمر بالقبور فنبشت وهي عظام رفات وأقبل على الدعاء ، فما برحوا من مكانهم حتى نظروا إلى سبعة عشر إنساناً : تسعة رهط وخمس نسوة وثلاثة صبية ، وإذا فيهم شيخ كبير . فقال له جرجيس : يا شيخ ، ما اسمك ؟ فقال : يا جرجيس اسمي نوبيل . قال : متى مت ؟ قال : في زمان كذا وكذا . فحسبوا فإذا هو مات منذ أربعمائة سنة . فلما نظر الملك وأصحباه إلى ذلك قالوا : ما بقي من أصناف العذاب شيء إلا وقد عذبتموه به إلا الجوع والعطش ، فعذبوه بهما . فعمدوا إلى بيت عجوز كبيرة ، وكان لها ابن أعمى أصم أبكم مقعد ، فحصروه في بيتها ولا يصل إليه من عند أحد طعام ولا شراب . فلما بلغ به الجوع قال للعجوز : هل بقي عندك من طعام أو شراب ؟ قالت : لا والذي يحلف به ما عهدنا الطعام منذ كذا وكذا ، وسأخرج ألتمس لك شيئاً . فقال لها جرجيس : هل تعرفين الله تعالى ؟ قالت نعم . قال : فإياه تعبدين ؟ قالت لا . فدعاها إلى الله عز وجل فصدقته ، وانطلقت تطلب له شيئاً ، وفي بيتها دعامة من خشبة يابسة تحمل خشب البيت ، فأقبل على الدعاء ، فاخضرت تلك الدعامة وأنبتت له كل فاكهة تؤكل أو تعرف ، حتى كان فيا اللوبيا واللبان مثل البردى يكون بالشام ، وظهر للدعامة فروع من فوق البيت أظلته وما حوله . فأقبلت العجوز وهو فيما شاء يأكل رغداً . فلما رأت الذي حدث في بيتها من بعدها قالت : آمنت بالذي أطعمك ، فادع هذا الرب العظيم ليشفى ابني . قال : ادنيه مني ، فأدنته ، فبصق في عينيه فأبصر ، ونفث في أذنيه فسمع . قالت له : أطلق لسانه ورجليه رحمك الله . قال : خذيه فإن له يوماً عظيماً . وخرج الملك يوماً ليسر في مدينته ، إذ وقع