كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 208 """"""
بصره على الشجرة ، فقال : إني أرى شجرة بمكان ما كنت أعرفها به . قالوا : تلك شجرة نبتت لذلك الساحر الذي أردت أن تعذبه بالجوع ، فهو فيما شاء وقد شبع منها وأشبع العجوز الفقيرة وشفى لها ابنها . فأمر الملك بالبيت فهدم وبالشجرة لتقطع . فلما هموا بقطعها أيبسها الله تعالى وردها كما كانت أول مرة ، فتركوها . وأمر بجرجيس فبطح على وجهه وأوتد له أربعة أوتاد ، وأمر بعجلة وأوقرها أسطواناً وجعل في أسفل العجلة خناجر وشفاراً ، ثم دعا بأربعين ثوراً فنهضت بالعجلة نهضة واحدة وجرجيس تحتها ، فانقطع ثلاث قطع ، فأمر بقطعه فأحرقت بالنار ، حتى إذا عادت رماداً بعث بذلك الرماد وبعث معه رجلاً فذروه في البحر ، فلم يبرحوا من مكانهم حتى سمعوا صوتاً من السماء : يا بحر ، إن الله يأمرك أن تحفظ ما فيك من هذا الجسد الطيب ، فإني أريد أن أعيده كما كان . ثم أرسل الله تعالى الريح فأخرجته ثم جمعته حتى صار الرماد صبرة كهيئته قبل أن يذروه ؛ فخرج منه جرجيس مغبراً ينفض رأسه ، فرجعوا ورجع جرجيس ، فأخبروا الملك خبر الصوت الذي سمعوا والريح التي جمعته ، فقال : هل لك يا جرجيس فيما هو خير لي ولك ما نحن فيه ؟ ولولا أن يقول الناس إنك قهرتني وغلبتني لاتبعتك وآمنت بك ، ولكن اسجد لأفلون سجدة واحدة واذبح له شاة واحدة ، ثم إني أفعل ما يسرك . فقال له نعم ، مهما شئت فعلت ، فأدخلني على صمتك . ففرح الملك بقوله فقام وقبل يديه ورجليه ورأسه وقال : إني أعزم عليك ألا تظل هذا اليوم إلا عندي ، ولا تبيت هذه الليلة إلا في بيتي وعلى فراشي ، حتى تستريح ويذهب عنك وصب العذاب ، ويرى الناس كرامتك علي ، فأخلى له بيت فظل فيه جرجيس ، حتى إذا أدركه الليل قام يصلي ويقرأ الزبور ، وكان أحسن الناس صوتاً . فلما سمعت امرأة الملك استجابت له ، فلم يشعر إلا وهي خلفه تبكي معه ، فدعاها جرجيس إلى الإيمان فآمنت به ، وأمرها فكتمت إيمانها . فلما أصبح غدا به الملك إلى بيت الأصنام ليسجد لها . وقيل للعجوز التي كان سجن في بيتها : هل علمت أن جرجيس قد فتن بعدك فأصغى إلى الدنيا وقد خرج به الملك إلى بيت أصنامه ليسجد لها فخرجت العجوز تحمل ابنها على عاتقها وتوبخ جرجيس والناس مشغولون عنها . فلما دخل جرجيس بيت الأصنام ودخل الناس معه نظر فإذا العجوز وابنها على عاتقها أقرب الناس إليه مقاماً ؛ فدعا ابن العجوز باسمه

الصفحة 208