كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 209 """"""
فنطق وأجابه ولم يكن يتكلم قبل ذلك ، ثم اقتحم عن عاتق أمه يمشي على رجليه وهما مستويتان وما وطئ على الأرض قبل ذلك قط . فلما وقف بين يدي جرجيس قال : اذهب فادع لي هذه الأصنام وهي حينئذ سبعون صنماً على منابر من ذهب ، وهم يعبدون الشمس والقمر معها . فقال له الغلام : كيف أدعو الأصنام ؟ قال : قل لها إن جرجيس يسألك ويعزم عليك بالذي خلقك إلا أجبتيه . قال : فلما قال لها الغلام ذلك أقبلت تدحرج إلى جرجيس ، فلما انتهت إليه ركض الأرض برجله فخسف بها وبمنابرها ، وخرج إبليس من جوف صنم منها هارباً فرقاً من الخسف ، فلما مر بجرجيس أخذ بناصيته ، فخضع له وكلمه جرجيس فقال له : أخبرني أيها الروح النجسة والخلق الملعون ، ما الذي يحملك على أن تهلك نفسك وتهلك الناس وأنت تعلم أنك وجندك تصيرون إلى جهنم ؟ فقال له إبليس : لو خيرت بين ما أشرقت عليه الشمس وأظلم عليه الليل وبين هلكة واحد من بني آدم وضلالته وطرفة عين لاخترته على ذلك كله ، وإنه ليقع لي من الشهوة واللذة في ذلك مثل جميع ما يتلذذ به جميع الخلائق . ألم تعلم يا جرجيس أن الله تعالى أسجد لأبيك آدم جميع الملائكة فسجدوا كلهم وامتنعت أنا من السجود وقلت أنا خير منه . فلما قال هذا أخلاه جرجيس . فما دخل إبليس منذ ذلك اليوم جوف صنم ولا يدخله بعدها فيما يذكرون أبداً . فقال الملك : يا جرجيس خدعتني وغدرتني وأهلكت آلهتي . فقال جرجيس للملك : إنما فعلت ذلك لتعتبر ولتعلم أنها لو كانت آلهة لامتنعت مني فكيف ثقتك - ويلك - بآلهة لم تمنع أنفسها مني وإنما أنا مخلوق ضعيف لا أملك إلا ما ملكني ربي . فلما قال جرجيس هذا كلمتهم امرأة الملك وكشفت لهم إيمانها ، وعددت عليهم أفعالهم أفعال جرجيس والعبر التي أراهم الله تعالى ، وقالت لهم : ما تنظرون من هذا الرجل إلا د . . رةً فيخسف الله بكم الأرض كما خسف بأصنامكم . الله الله أيها القوم في أنفسكم . فقال لها الملك : ويحك يا سكندرة ما أسرع ما أضلك هذا الساحر في ليلة واحدة وأنا أقاسيه منذ سبع سنين فلم يظفر مني بشيء قط فقالت : أما رأيت الله كيف يظفره بك ويسلطه عليك فيكون له الفلج والحجة عليك في كل مواطن . فأمر بها الملك عند ذلك فحملت على خشبة جرجيس التي كان عليها علق ، وحملت عليها الأمشاط التي جعلت على جرجيس . فلما تألمت قالت : ادع ربك يا جرجيس فيخفف

الصفحة 209