كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
طاقتها ، ولا تشقيها ؛ بل أنت ترحمها . فقال الله تعالى له : إني سأطوقك ما حملتك ، وأشرح لك صدرك وسمعك فتسمع وتعي كل شيء ، وأوسع لك فهمك فتفقه كل شيء ، وأبسط لك لسانك فتنطق بكل شيء ، وأفتح لك بصرك فينفذ في كل شيء ، وأحصي لك قوتك فلا يفوتك شيء ، وأشد لك عضدك فلا يهولك شيء ، وأشيد لك ركنك فلا يغلبك شيء ، وأشد لك قلبك فلا يفزعك شيء ، وأشد لك يديك فتسطو على كل شيء ، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء ، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما جنداً من جنودك ، يهديك النور من أمامك ، وتحوطك الظلمة من ورائك . قال : فلما قيل له ذلك حدث نفسه بالمسير ، وألح عليه قومه بالمقام ، فلم يفعل وقال : لا بد من طاعة الله تعالى . قال وهب : وكان أول ما بدأ به أن أخذ قومه بالإسلام فأسلموا قهراً من عند آخرهم ، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجداً ويجعلوا طوله أربعمائة ذراع ، وعرضه مائتي ذراع ، وسمك حائطه اثنين وعشرين ذراعاً ، وارتفاعه في السماء مائة ذراع ، وأمرهم أن ينصبوا فيه سواري . قالوا : يا ذا القرنين ، كيف لنا بخشب يبلغ ما بين الحائطين ؟ فلما كمل البناء أمرهم بردمه بالتراب ، ثم فرض على الموسر قدره من الذهب وعلى المقتر قدره ، وأمرهم أن يجعلوا ذلك الذهب كقلامة الظفر ويخلطوه بالتراب وكبسوا التراب حتى ساوى البناء ، ثم أمرهم بعد ذلك أن يتخذوا أعمدة من النحاس بدلاً من الخشب فصنعوها ، وجعلوا على كل حائط اثني عشر ذراعاً ، فكان طول كل عمود من النحاس مائتين وأربعة وعشرين ذراعاً . فتمكنوا من ذلك بسبب الردم . فلما استقر السقف بما فيه أمر الإسكندر المساكين أن يحولوا التراب ، ومن خرج له شيء من الذهب فهو له ، فسارعوا إلى ذلك ونقوله واستغنوا بما فيه ، ثم جند القوم أربعين ألفاً ، وهم أول جند اتبعوه . هب فهو له ، فسارعوا إلى ذلك ونقوله واستغنوا بما فيه ، ثم جند القوم أربعين ألفاً ، وهم أول جند اتبعوه .
وقال الثعلبي رحمه الله . إن الإسكندر جند المساكين بما حصل لهم من قراضة الذهب ، وكانوا أربعين ألفاً ، وجعلهم أربعة أجناد ، في كل جند عشرة آلاف . قال : ثم عرض جنده فوجدهم فيما قيل ألف ألف وأربعمائة ألف رجل غير المساكين ، وهم أربعون ألفاً ، ثم انطلق يوم الأمة التي عند مغرب الشمس ، فسار لا يمر بأمة إلا دعاهم إلى الله تعالى ، فإن أجابوه قبل ذلك منهم ، وإن أبوا عليه