كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 237 """"""
غشيتهم الظلمة فلبست مدائنهم ومنازلهم وأعشت أبصارهم ، فيتحيروا حتى يجيبوه ، أو يأخذهم عنوة . ولم يزل كذلك حتى بلغ مغرب الشمس . قال الله تعالى : " فاتبع سبباً ، حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة " أي ذات حمأة ، ومن قرأ حامية فمعناه حارة " ووجد عندها قوماً قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً " الآيات إلى قوله : " يسراً " . قال الثعلبي : فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيه إلا الله تعالى ، وقوة وبأساً لا يطيقه إلا الله تعالى ، ورأى ألسناً مختلفة وأهواء متشتتة ، وهذه الأمة هي ناسك . فلما رأى ذلك كاثرهم بالظلمة فضرب حولهم ثلاث عساكر فأحاط بهم من كل مكان حتى جمعهم في مكان واحد ، ثم أخذ عليهم بالنور فدعاهم إلى الله تعالى وعبادته ، فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخلهم الظلمة ، فدخلت في أفواههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم ، ودخلت في بيوتهم وغشيتهم من فوقهم ومن تحتهم ومن كل جانب ، فصاحوا وتحيروا وأشفقوا من الهلكة ، فعجوا إليه بصوت واحد ، فكشفها عنهم وأخذهم عنوة فدخلوا في دعوته ، فجند منهم أمماً عظيمة وجعلهم جنداً واحداً ، ثم انطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خلفهم وتحرسهم والنور أمامهم ، وسار يريد الأمة التي في قطر الأرض التي يقال لها هاويل ، فكان إذا انتهى إلى بحر أو نهر بنى سفناً من ألواح صغار أمثال النعال نظمها في ساعة ، ثم حمل فيها جميع من معه من تلك الأمم والجنود ، فإذا قطع ذلك البحر أو النهر فتقها ثم دفع إلى كل رجل منهم لوحاً فلا يكرثه حمله ، فلم يزل ذلك دأبه حتى انتهى إلى هاويل ففعل بهم كما فعل بالأمة التي قبلها . قال : ولما فرغ منها مضى حتى انتهى إلى منسك وهي الأمة التي عند مطلع الشمس . قال الله تعالى : " ثم ابتع سبباً ، حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً ، كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً " . قال : وقوله تعالى : " لم نجعل لهم من دونها ستراً " وذلك أنهم كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء ، وكانوا يكونون في أسراب

الصفحة 237