كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
لهم ، حتى إذا زالت الشمس خرجوا إلى معايشهم وحروثهم . وقال الحسن : كانت أرضهم أرضاً لا تحتمل البناء ، فكانوا إذا طلعت الشمس عليهم تهوروا في الماء ، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا فتراعوا كما ترعى البهائم . وقال الكلبي : هم أمة يقال لها منسك عراة حفاة عماة عن الحق . قال : وحدثني عمرو بن مالك بن أمية قال : وجدت رجلاً بسمرقند يحدث الناس وهم مجتمعون حوله ، فسألت بعض من سمع حديثه فأخبرني أنه حدثهم عن القوم الذين تطلع عليهم الشمس ، قال : خرجت حتى جاوزت الصين ، ثم سألت عنهم فقيل : لي إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة ، فاستأجرت رجلاً يرينيهم ، فسرت بقية عشيتي وليلتي حتى صبحتهم ، فإذا أحدهما يفترش أذنه ويلبس الأخرى . وكان صاحبي يحسن لسانهم فسألوه فقال : جئنا ننظر كيف تطلع الشمس . قال : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مثل الصلصلة ، فغشي علي فوقعت ، فلما أفقت وجدتهم يمسحونني بالدهن فإذا الشمس طلعت على الماء ، وهي عليه كهيئة الزيت ، وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط ، فلما ارتفعت دخلوا في سرب لهم وأنا وصاحبي ، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك فيطرحونه في الشمس فينضج . نرجع إلى تتمة أخبار الإسكندر ومطلع الشمس . قالوا : ولما بلغ الإسكندر مطلع الشمس فعل بمنسك كما فعل بالأمم التي قبلها وجند منها جنوداً ، ثم كر حتى أخذ ناحية الأرض اليسرى وهي بدء تاويل ، وهي الأمة التي بحيال هاويل ، وهما متقابلتان بينهما عرض الأرض . فلما بلغها عمل فيها كما عمل بمن قبلها . ولما فرغ من الأمم الذين هم بأطراف الأرض وطاف الشرق والغرب عطف منها إلى الأمم التي هي في وسط الأرض من الجن والإنس ويأجوج ومأجوج . فلما كان في بعض الطريق مما يلي منقطع الترك نحو المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس : يا ذا القرنين ، إن بين هذين الجبلين خلقاً من خلق الله ليس فيهم مشابهة من الإنسان ، وهم أشباه البهائم ، يأكلون العشب ويفترسون الدواب والوحوش كما يفترسها السباع ، ويأكلون هوام الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق الله تعالى .