كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
يرزقون التنين في أيام الربيع ، ويقذفه عليهم السحاب من البحر في كل عام مرة . فإذا تأخر عنهم وقت عادته استمطروه كما يستمطر الغيث لجينه ، فإن قذفوا به أخصبوا وسمنوا وتوالدوا وكثروا وأكلوا منه حولاً كاملاً لا يأكلون غيره ، ويقددونه فيعمهم على كثرتهم . قال : وهم يتداعون تداعي الحمام ، ويعوون عواء الذئاب ، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا . فلما عاينهم ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما ، ثم أوقد على ما جمع من الحديد والنحاس فصنع منه زبراً أمثال الصخور العظام ، ثم أذاب النحاس فجعله كالطين وألاط به تلك الصخور الحديد ثم بناه . قالوا : وكيفية بنائه على ما ذكره أهل السير : أنه لما قاس ما بين الجبلين وجد ما بينهما مائة فرسخ ، ثم حفر له الأساس حتى بلغ الماء ، وجعل عرضه خمسين فرسخاً ، ثم وضع الحطب بين الجبلين ، ثم نسج عليه الحديد ، ثم نسج الحطب على الحديد ، فلم يزل يحول الحديد على الحطب والحطب على الحديد حتى ساوى بين الصدفين ، وهما الجبلان ، ثم أمر بالنار فأرسلت فيه ، ثم قال انفخوا ثم جعل يفرغ القطر وهو النحاس المذاب فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس فصار كأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته ، وسواد الحديد وغبرته ؛ فصار سداً طويلاً عظيماً حصيناً . قال الله تعالى : " فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً " . وقد روي أن رجلاً قال يا رسول الله قد رأيت سد يأجوج ومأجوج . قال : " انعته لي " . قال : كالبرد المحبر ، طريقه سوداء ، وطريقه حمراء . قال : " قد رأيته " . وقد ذكرنا خبر السد فيما سلف من كتابنا هذا عن سلام الترجمان حين أرسله الواثق إلى السد فرآه ، وهو في الباب الثالث من القسم الخامس من الفن الأول وهو في السفر الأول من كتابنا هذا .
قال الأنماطي قال وهب : فبلغنا - والله أعلم - أنهم يأتونه في كل سنة مرة ، وذلك أنهم يسيحون في بلادهم حتى إذا انتهوا إلى ذلك الردم حبسهم فرجعوا يسيحون في بلادهم ، فهم كذلك حتى تقرب الساعة ، فإذا جاء أشراطها فتحه الله