كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها ، فإنا نخاف أن ينبثق عليك أمر تكرهه فيكون فيه فساد أهل الأرض . فقال : لا بد من أن أسلكها . قالوا : أيها الملك كف عنها ولا تطلبها فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط علينا ربنا لاتبعناك ، ولكنا نخاف العتب من الله عز وجل وفساد الأرض ومن عليها . فقال : لا بد أن أسلكها . قالوا : شأنك بها . قال : أي الدواب بالليل أبصر ؟ قالوا : الخيل . قال : فأي الخيل أبصر ؟ قالوا : الإناث . قال : فأي الإناث أبصر ؟ قالوا : البكارة . فجمع ذو القرنين ستة آلاف فرس بهذه الصفة ، ثم انتخب من عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل فرساً ، وعقد للخضر - ع - على مقدمته ألفين ، وبقي هو في أربعة آلاف . وقال ذو القرنين للناس : لا تبرحوا من معسكركم هذا إلى اثنتي عشرة سنة ، فإن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى بلادكم . فقال الخضر : أيها الملك ، إنا نسلك ظلمة لا ندري كم المسير فيها ولا يبصر بعضنا بعضاً ، فكيف نصنع إذا ضللنا فدفع إلى الخضر خرزة حمراء وقال : حيث يصيبكم الضلال فاطرح هذه في الأرض فإذا صاحت فليرجع إليها أهل الضلال أين صاحت . فسار الخضر بين يديه ، يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين ، فبينما الخضر يسير إذ عرض له واد فظن أن العين فيه وألقى ذلك في قلبه ، فقام على شفير الوادي وقال لأصحابه : قفوا لا تبرحوا ، ورمى بالخرزة في الوادي ومكث طويلاً حتى أجابته الخرزة ، فطلب صوتها فانتهى إليها فإذا هي إلى جانب العين . فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين ، فإذا ماؤها أشد بياضاً من اللبن وأحلى من الشهد ، فشرب واغتسل وتوضأ ولبس ثيابه ، ثم رمى الخرزة نحو أصحابه ، فوقعت الخرزة وصاحت ، فرجع إلى صوتها حتى انتهى إلى أصحابه ، فركب وقال : سيروا على اسم الله . ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوماً وليلة ، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر ، وإلى أرض حمراء ورملة خشخاشية ، فإذا هو بقصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب ، فنزل ذو القرنين بعسكره ، ثم خرج وحده فدخل القصر ، فإذا حديدة قد وضع طرفاها على جانبي القصر من