كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 245 """"""
الخضر : نعم أنا أعلمه ، فأخذ الميزان بيده ثم وضع الحجر في كفتها وأخذ كفاً من تراب فجعله في الكفة الأخرى ثم رفع الميزان فاستوى . فخرت العلماء سجداً لله تعالى وقالوا : هذا علم لم يبلغه علمنا . فقال الخضر - ع - : أيها الملك ، إن سلطان الله عز وجل قاهر لخلقه ، وأمره نافذ فيهم ، وحكمه جار عليهم ؛ وإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض ، فابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ؛ وإنه ابتلاني بك وابتلاك بي . قال ذو القرنين : صدقت ، فأخبرني ما هذا ؟ فقال الخضر : أيها الملك ، هذا مثل ضربه لك صاحب الصور ، إن الله تعالى مكن لك في البلاد ، وأعطاك منها ما لم يعط أحداً ، وأوطأك منها ما لم يوطئ أحد ، فلم تشبع ، وآتيت نفسك شرها ، حتى بلغت من سلطان الله ما لم يطأه إنس ولا جان ، فهذا مثل ضربه لك ، إن ابن آدم لا يشبع أبداً دون أن يحثي عليه التراب ، ولا يملأ جوفه إلا التراب . فبكى ذو القرنين وقال : صدقت ، لا جرم أني لا طلبت أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت ، ثم انصرف راجعاً . فلما توسط الظلمة وطئ وادي الزبرجد ، فقال من معه لما سمعوا الخشخشة تحت حوافر دوابهم : ما هذا أيها الملك ؟ فقال : خذوا منه فإنه من أخذ منه ندم ، ومن تركه ندم . فمنهم من أخذ ، ومنهم من ترك . فلما خرجوا من الظلمة إذا وهو الزبرجد . فندم الآخذ كونه لم يكثر ، والتارك كونه لم يأخذ . قال : فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بوادي الزبرجد في المبتدأ ما ترك منه شيئاً حتى أخرجه إلى الناس لأنه كان راغباً في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها " . ال سل ؛ فقال : هل كثر بناء الآجر والجص في الأرض ؟ قال نعم ؛ فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة ، ثم قال : يا ذا القرنين ، هل كثرت شهادات الزور في الأرض ؟ قال نعم ؛ فانتفض الطائر ثم انتفخ فملأ الحديدة وسد ما بين جداري القصر . ففرق ذو القرنين فرقاً عظيماً . فقال الطائر : لا تخف . حدثني . قال سل . قال : هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد ؟ قال لا ، فانضم الطائر ثلثه ثم قال : هل ترك الناس الصلاة المفروضة بعد ؟ قال لا ، فانضم ثلثاه . ثم قال : يا ذا القرنين ، هل ترك الناس غسل الجنابة بعد ؟ قال لا ؛ فعاد الطائر كما كان . ثم قال : يا ذا القرنين . اسلك هذا الدرج درجة درجة إلى أعلى القصر . فسلكها وهو خائف وجل لا يدري على ماذا يهجم ، حتى انتهى إلى سطح ممدود ، عليه صورة رجل شاب قائم ، وعليه ثياب بيض . رافعاً وجهه إلى السماء ، واضعاً يديه على فيه ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال : من هذا ؟ قال : أنا ذو القرنين . قال : يا ذا القرنين ، إن الساعة قد اقتربت ، وأنا منتظر أمر ربي يأمرني أن أنفخ فأنفخ ، ثم أخذ صاحب الصور شيئاً بين يديه كأنه حجر وقال : خذه يا ذا القرنين ، فإن شبع هذا شبعت ، إن جاع جعت ؛ فأخذه ونزل إلى أصحابه فحدثهم بأمر الطائر وما قال له وما رد عليه ، وما قال صاحب الصور . ثم جمع علماء عسكره فقال : أخبروني عن هذا الحجر ما أمره ؟ فقالوا : أيها الملك ، أخبرنا عما قال لك فيه صاحب الصور . فقال ذو القرنين : إنه قال لي : إن شبع هذا شبعت وإن جاع جعت فوضعوا ذلك الحجر في إحدى كفتي ميزان وأخذوا حجراً مثله فوضعوه في الكفة الأخرى ثم رفعوا الميزان فإذا هو يميل ، فوضعوا معه آخر فإذا هو يميل بهن فلم يزالوا يضعون حتى وضعوا ألف حجر فمال بالألف جميعاً ، فقالوا : انقطع علمنا دون هذا الحجر لا ندري أسحر هو أم علم ما نعلمه فقال الخضر : نعم أنا أعلمه ، فأخذ الميزان بيده ثم وضع الحجر في كفتها وأخذ كفاً من تراب فجعله في الكفة الأخرى ثم رفع الميزان فاستوى . فخرت العلماء سجداً لله تعالى وقالوا : هذا علم لم يبلغه علمنا . فقال الخضر - ع - : أيها الملك ، إن سلطان الله عز وجل قاهر لخلقه ، وأمره نافذ فيهم ، وحكمه جار عليهم ؛ وإن الله تعالى ابتلى خلقه بعضهم ببعض ، فابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ؛ وإنه ابتلاني بك وابتلاك بي . قال ذو القرنين : صدقت ، فأخبرني ما هذا ؟ فقال الخضر : أيها الملك ، هذا مثل ضربه لك صاحب الصور ، إن الله تعالى مكن لك في البلاد ، وأعطاك منها ما لم يعط أحداً ، وأوطأك منها ما لم يوطئ أحد ، فلم تشبع ، وآتيت نفسك شرها ، حتى بلغت من سلطان الله ما لم يطأه إنس ولا جان ، فهذا مثل ضربه لك ، إن ابن آدم لا يشبع أبداً دون أن يحثي عليه التراب ، ولا يملأ جوفه إلا التراب . فبكى ذو القرنين وقال : صدقت ، لا جرم أني لا طلبت أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت ، ثم انصرف راجعاً . فلما توسط الظلمة وطئ وادي الزبرجد ، فقال من معه لما سمعوا الخشخشة تحت حوافر دوابهم : ما هذا أيها الملك ؟ فقال : خذوا منه فإنه من أخذ منه ندم ، ومن تركه ندم . فمنهم من أخذ ، ومنهم من ترك . فلما خرجوا من الظلمة إذا وهو الزبرجد . فندم الآخذ كونه لم يكثر ، والتارك كونه لم يأخذ . قال : فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : " رحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بوادي الزبرجد في المبتدأ ما ترك منه شيئاً حتى أخرجه إلى الناس لأنه كان راغباً في الدنيا ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا لا حاجة له فيها " . قال الثعلبي : ثم رجع إلى العراق وملك ملوك الطوائف ، ومات في طريقه بشهرزور . وقال علي رضي الله عنه : ثم إنه رجع إلى دومة الجندل فأقام بها

الصفحة 245