كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 248 """"""
من يقدر عليها ويملكها ، فتركه وسار . فبينما هو يسير إذ دفع إلى الأمة الصالحة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمة مقسطة عادلة يقسمون بالسوية ، ويحكمون بالعدل ويتواسون ، فكلمتهم واحدة ، وقلوبهم مؤتلفة مستقيمة ، وسيرتهم مستوية ، وقبور موتاهم في أفنيتهم ، وليس على بيوتهم أبواب تغلق ، وليس عليهم أمراء ، ولا قضاة بينهم ، ولا أشرف يتفاوتون ، ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يتسابون ولا يقتتلون ولا يقحطون ولا تصيبهم الآفات ؛ فعجب من أمرهم وقال : أخبروني خبركم أيها القوم ؛ فإني قد أحصيت الأرض شرقها وغربها ، وسهلها وجبلها ، وبرها وبحرها ، ونورها وظلمتها ، فلم أر مثلكم . قالوا : سلنا عما بدا لك نخبرك . قال : ما بال قبوركم في أفنيتكم وعلى أبواب بيوتكم ؟ قالوا : لئلا ننسى الموت ولا يخر ذكره من قلوبنا . قال : فما بال بيوتكم لا أبواب عليها ؟ قالوا : ليس فينا متهم ولا ظنين ، ولا فينا إلا مؤتمن أمين . قال : فما بالكم ليس عليكم أمراء ؟ قالوا : لأنا نتظالم . قال : فما بالكم ليس فيكم أغنياء ؟ قالوا : لأنا لا نتكاثر . قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل أنا متواسون متراحمون . قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لأنا لا نتنافس . قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون ؟ قالوا : من ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا . قال : فما بالكم ليس بينكم حكام ؟ قالوا : نحن لا نختصم . قال : فما بال كلمتكم واحدة ؟ قالوا : من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعض . قال : فأخبروني من قبل ماذا تشابهت قلوبكم واعتدلت سيرتكم ؟ قالوا : من صحة صدورنا ، فنزع الله بذلك الغل والحسد من قلوبنا . قال : فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية . قال : فما بمالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنا نقسم بالسوية . قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا : من قبل الذل والتواضع . قال : فأخبروني بماذا أنتم أطول الناس أعماراً ؟ قالوا : من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل . قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : لأنا لا نغفل عن الاستغفار . قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا : من قبل أنا لا نتوكل إلا على الله ، ولا نستمطر

الصفحة 248