كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 250 """"""
واصلوا البحث والعناية بتأمل شأن هذا العالم وبدئه أن الهند كانت في قديم الزمان الفرقة التي فيها الصلاح والحكمة ، وأنه لم تجيلت الأجيال وتخربت الأحزاب حاولت الهند أن تضم المملكة وتستولي على الحوزة وتكون الرياسة فيها . قال كبراؤهم : نحن كنا أهل البدء وفينا التناهي ، ولنا الغاية والصدر والانتهاء ، ومنا سرى الأب إلى الأرض ، فلا شاقنا أحد ولا عاندنا ولا أراد بنا الاغتماص إلا أتينا عليه وأبدناه أو يرجع إلى طاعتنا . فأجمعت على ذلك رأيها ونصبت لها ملكاً ، وهو البرهمن الأكبر والملك الأعظم ، وإليه تنسب طائفة البراهمة بالهند ، لا إلى إبراهيم الخليل ( صلى الله عليه وسلم ) . وهذا البرهمن هو الإمام المقدم فيهم الذي ظهرت في أيامه الحكمة وتقدمت العلماء ، وأمر باستخراج الحديد من معادنه ، وضربت في أيامه السيوف والخناجر وكثير من أنواع السلاح وآلات القتال ، وشيد الهياكل ورصعها بالجواهر النفيسة المشرقة ، وصور فيها الأفلاك والبروج الاثنى عشر برجاً والكواكب ، وبين بالصورة كيفية العالم ، وأرى بالصورة أيضاً كيفية أفعال الكواكب في هذا العالم وإحداثها للأشخاص الحيوانية من الناطقة وغيرها ، وبين حال المدبر الأعظم الذي هو الشمس ، وبرهن على ذلك كله وقربه إلى عقول العوام وأذهانهم ففهموه ، وغرس في نفوس الخواص دراية ما هو أعلى من ذلك ، وأشار إلى المبدئ الأول المعطي لسائر الموجودات وجودها الفائض عليها بجوده . فانقادت له الهند ، وأراهم وجه مصالح الدنيا وأخصبت بلادهم . وجمع الحكماء في أيامه كتاب السند هند ، وتفسيره دهر الدهور ، ومنه فرغت الكتب ، ككتاب الأزجهير والمجسطي ، وفرع من الأزجهير الأركند ومن المجسطى كتاب بطليموس ، ثم عمل منها بعد ذلك الزيجات . وأحدثوا التسعة الأحرف المحيطة بالحساب الهندي . وكان البرهمن هذا أول من تكلم

الصفحة 250