كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
نوح سار ولد عامور بن توبل بن يافث بن نوح يسرة المشرق ، فكان منهم أجناس الترك . وسار الجمهور من ولد عامور على ساحر البحر حتى انتهوا إلى أقاصية من بلاد الصين . فتفرقوا في تلك البقاع والبلاد وقطنوها وعمروها ، وكوروا الكور ، ومصروا الأمصار ، ومدنوا المدن ، واتخذوا للملك مدينة عظيمة سموها إيقو ، وبينها وبين ساحل البحر الحبشي ، وهو بحر الصين مسيرة ثلاثة أشهر ، مدن وعمائر متصلة . فكان أول من تملك عليهم في هذه الديار نسطيرطاس بن ماعور بن بزنج بن عامور . قال : ولما ملك فرق أهله في تلك الديار ، وشق الأنهار ، وغرس الأشجار ، وطعم الثمار ، وقتل السباع . وكانت مدة ملكه ثلاثمائة سنة ونيفاً وهلك .
فقام بالأمر بعده ولده عرون بن نسطيرطاس ، فجعل جسد أبيه في تمثال من الذهب الأحمر جزعاً عليه وتعظيماً له ، وأجلسه على سرير من الذهب مرصع بالجوهر ، وجعل مجلسه دونه ، وسجد له وهو في جوف ذلك التمثال ، وسجد معه أهل مملكته ، وفعل ذلك في كل نهار في طرفيه . وكانت مدة ملكه بعد أبيه نحوناً من مائتي سنة وخمسين سنة ثم هلك .
فملك بعده ابنه عبيرون بن عرون . ولما ملك جعل جسد أبيه عرون في تمثال من الذهب ونصبه دون مرتبة جده ، وكان يبدأ بالسجود لجده ثم يسجد لأبيه ، وساس الرعية بأحسن سياسة ، وساواهم في جميع أمورهم ، وشملهم بعدله ، وكثر النسل ، وأخصبت الأرض . وكان ملكه إلى أن هلك مائتي سنة . ولما مات ملك بعده ولده عثينان بن عبيرون . قال : ولما ملك جعل جسد أبيه في تمثال من الذهب ، وجرى في أمره على ما سلف من عادتهم في السجود والتعظيم . وطالت مدته في الملك ، واتسعت مملكته حتى اتصلت بلاده ببلاد الترك من بني عمه . واتخذ في أيامه كثير من المهن مما لطف في الرقة من الصنائع ، وعاش أربعمائة سنة ثم هلك .