كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
فملك بعده ابنه حرانان بن عثينان . قال : ولما ملك جرى في جسد أبيه على عادتهم ، ثم أمر باتخاذ الفلك وحمل فيها الرجال ، وحمل معهم لطائف بلاد الصين وسفرهم نحو بلاد الهند والسند وإلى إقليم بابل وسائر الممالك مما قرب وبعد في البحر . وأهدى إلى الملوك الهدايا العجيبة والتحف النفيسة . وأمر أصحابه الذين سفرهم أن يجلبوا إليه ما في كل بلد من الطرائف والتحف والمأكول الذي لا يوجد في بلاده ، والمشروب والعروس وأصناف الأقمشة والأمتعة وغير ذلك . وأمرهم أن يتعرفوا سياسة كل ملك ، وملة كل أمة وشرائعها ونهجها الذي هي عليه ، وأن يرغبوا الناس فيما في بلادهم من الجواهر والطيب والآلات . فتفرقت تلك المراكب في البلاد وفعلوا ما أمرهم به ، فلم يردوا على مملكة من الممالك إلا أعجبوا بهم واستظرفوا ما معهم . فأنشأت الملوك المحيطة ممالكهم بالبحار السفن وجهزت نحو الصين ، وحملوا إليهم ما ليس عندهم . وكاتبوا ملكهم وكافئوه على ما كان قد هاداهم به من تحف بلاده ، فعمرت بلاد الصين ، واستقامت أمور مملكة الصين . فكانت مدة حياته في الملك نحواً من مائتي سنة وهلك ، فجزع أهل مملكته عليه وحزنوا حزناً شديداً ، وأقاموا النياحة عليه شهراً . وملك بعده ابنه توتال بن حرانان . قال : ولما ملك جعل جسد أبيه في تمثال من الذهب ، وسلك فيه سنة من تقدمه من آبائه ، واستقام أمره ، وأحدث من السنن المحمودة ما لم يحدثه أحد من الملوك قبله . وقال لأهل مملكته : إن الملك لا يثبت إلا بالعدل لأنه ميزان الباري ، وإن من العدل الزيادة في الإحسان مع الزيادة في العمل . وخص وشرف وتوج ورتب الناس في رتبهم ، ووقفهم على طرائفهم . وخرج يرتاد موضعاً يبنى فيه هيكلاً ، فوافى موضعاً عامراً بالنبات ، حسن الاعتمام بالزهر ، تخترقه المياه . فحط الهيكل هناك ، وجلبت له أنواع الأحجار المختلفة الألوان ، فشيد الهيكل وجعل على أعلاه قبة ، وجعل لها مخارق للهواء متساوية . وجعل في الهيكل بيوتاً لمن أراد الانفراد للعبادة . فلما فرغ من الهيكل نصب في أعلاه