كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
مائة ميل ، بين جبال أربعة ، كل جبل منها ذاهب في الهواء ، في وسط هذه الصحراء دارة مقورة كأنها خطت ببركار ، منحوتة في حجر صلد ، استدارتها نحو من خمسين ميلاً قطع قائم كأنه حائط مبني ، يكون قعرها نحواً من ميلين ، لا سبيل إلى الوصول إلى مستوى تلك الدارة ، ويرى بها بالليل نيران كثيرة في مواضع مختلفة ، ويرى فيها بالنهار قرى وأنهار تجري ، وفيها ناس وبهائم إلا أنهم يرون لطاف الأجسام لبعد قعر الموضع لا يدري من أي الأمم هم . ولا سبيل إلى صعودهم ولا إلى النزول إليهم من جهة من الجهات . ووراء تلك الجبال خسفة أخرى قريبة القعر فيها آجام وغياض ، فيها نوع من القرود متنصبة القامات مستديرة الوجوه ، الأغلب عليها صور الناس وأشكالهم إلا أنهم ذوو شعور . قال : وربما وقع في النادر منها القرد إذا احتيل عليه في اصطياده ، فيكون في نهاية الفهم والدراية . وربما حمل الواحد منها إلى الملوك فيعلم القيام على رأسه بالمذبة . ولهم خاصية بمعرفة المسموم من المآكل والمشارب . فإذا دنا الطعام منها شمته ويلقى لها الشيء منه فإن أكلته أكله الملك ، وإن امتنعت علم الملك أن ذلك مسموم . قال : وفيما بين بلاد الخزر وبين بلاد المغرب أمم أربع من الترك ترجع في أنسابها إلى أب واحد ، وهم حضر وبدو ، ذوو منعة وبأس شديد . ولكل أمة منها ملك . ومسافة كل مملكة منها أيام ، متصلة ممالكهم بعضها ببحر نيطش . وتتصل غاراتهم ببلاد رومية وما يلي بلاد الأندلس . وهي تستظهر على سائر من هنالك من الأمم . وبينهم وبين الخزر واللان مهادنة ، وبلادهم تتصل بممالك الخزر . فالجيل الأول منهم يقال له نجا . ويليه بجعود . ويليه بجناك ؛ وهي أشد هذه الأمم الأربع بأساً ، ويليه أنوجرذد . وكانت لهم حرب مع الروم بعد العشرين والثلاثمائة . ويلي بلاد اللان أيضاً أمة يقال لها الأبخاز تدين بالنصرانية ، وملك اللان مستظهر عليهم وهم متصلون بجبل الفتح . ثم يلي بلاد الأبخاز ملك الخزرية ، وهم أمة عظيمة منقادة إلى دين النصرانية تدعى خزران ولها ملك . قالوا : وكانوا يؤدون الخراج إلى صاحب ثغر