كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 27 """"""
وفلسطين - وكان جالوت الملك منهم فظهروا على بني إسرائيل ، وغلبوهم على كثير من أرضهم وسبوا كثيراً من ذراريهم وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاماً ، فضربوا عليهم الجزية ، وأخذوا توراتهم ، ومكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف من حالهم يتمادون أحياناً في غيهم وضلالتهم ، فسلط الله عليهم من ينتقم منهم ليراجعوا التوبة ، حتى بعث الله تعالى فيهم طالوت ملكاً . وكانت مدة ما بين وفاة يوشع بن نون إلى نبوة أشمويل أربعمائة سنة وستين سنة ، وكان آخر ملوكهم في هذه المدة رجل يقال له إيلاف وكان يدبر أمرهم في ملكه شيخ يقال له عيلى الكاهن ، وكان حبرهم وصاحب قربانهم ، وكانوا ينتهون إلى رأيه .
ذكر ابتداء أمر أشمويل وكيف كانت نبوته
قال الثعلبي قال وهب : كان لأبي أشمويل امرأتان ، إحداهما عجوز عاقر لم تلد ، وهي أم أشمويل ، والأخرى ولدت عشرة أولاد . وكان لبني إسرائيل عيد من أعيادهم قد قاموا بشرائطه وقربوا فيه القرابين ، فحضر أبو أشمويل وامرأتاه وأولاده العشرة ذلك العيد ، فلما قربوا قربانهم أخذ كل واحد منهم نصيبه ، فكان لأم الأولاد عشرة أنصباء ، وللعجوز نصيب واحد ، فعمل الشيطان بينهما ما يعمل بين الضرائر من الحسد والبغي ، فقالت أم الأولاد للعجوز : الحمد لله الذي كثرني بولدي وقللك ، فوجمت العجوز وجوماً شديداً . فلما كان عند السحر عمدت العجوز إلى متعبدها فقالت : اللهم بعلمك وسمعك كانت مقالة صاحبتي واستطالتها علي بنعمتك التي أنعمت عليها وأنت ابتدأتها بالننعمة والإحسان ، فارحم ضعفي وارحمني وارزقني ولداً تقياً رضياً أجعله لك ذخراً في مسجد من مساجدك ، يعبدك ولا يكفرك ، ويطيعك ولا يجحدك . وإذا رحمت ضعفي ومسكنتي وأجبت دعوتي ، فاجعل لها علامة أعرفها بها . فلما أصبحت حاضت وكانت من قبل قد يئست من الحيض ، فألم بها زوجها ، فحملت وكتمت أمرها ، ولقى بنو إسرائيل في ذلك الوقت من عدوهم بلاء وشدة ، ولم يكن في بني إسرائيل من يدبر أمرهم ، فكانوا يسألون الله تعالى أن يبعث لهم نبياً يشير عليهم ويجاهدون عدوهم معه ، وكان سبط النبوة قد هلك ، فلم يبق منهم إلا المرأة الحبلى ؛ فلما علموا بحبلها تعجبوا وقالوا : إنما حبلت بنبي ، لأن الآيسات لا يحبلن إلا بالأنبياء ، فأخذوها وحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدل بها غلاماً ، لما ترى من رغبة بني إسرائيل

الصفحة 27