كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 29 """"""
المكر ، وخفي المعروف ، وفشا الكذب ، وقل الصدق ، وما الله عاهدك على هذا ، ولا عليه استخلفك ، فبئس ما ختمت به عملك ، والله لا يحب الخائنين . فبلعه هذه الرسالة ، وقم بعده بالخلافة ؛ فلما بلغ أشمويل عيلى هذه الرسالة فزع وجزع .
قالوا : وكان السبب فيما عاتب الله تعالى عبده عيلى ووبخه عليه أنه كان له ابنان شابان ، فأحدثا شيئاً في القربان لم يكن فيه ، وذلك أنه كان في مسواط القربان الذي يسوطونه به كلابان . فما أخرجا كان للكاهن الذي كان يوسطه ، فجعل ابناه لهما كلاليب ، فأوحى الله تعالى إلى أشمويل : انطلق إلى عيلى فقل له : منعك حب الولد أن تزجر ابنيك أن يحدثا في قرباني وأن يعصياني ، فلأنزعن الكهانة منك ومن ولديك ولأهلكنك وإياهما . فأخبر أشمويل عيلى بذلك ، ففزع فزعاً شديداً وسار إليهم عدوهم ، فأمر عيلى ابنيه أن يخرجا بالناس ويقاتلا ذلك العدو ، فخرجا وأخرجا معهما التابوت فجعل عيلى يتوقع الخبر ؛ فجاءه رجل وهو قاعد على كرسيه فأخبره أن الناس قد انهزموا ، وأن ابنيه قتلا . قال : فما فعل بالتابوت ؟ قال : ذهب به العدو . فشهق عيلى ووقع ميتاً . فلما بلغ ملكهم إيلاف أن التابوت استلب ، وأن عيلى قد مات كمدا مالت عنقه فمات كمدا .
قالوا : فما ماتا وأخذ التابوت مرج أمر بني إسرائيل واجترأ عليهم عدوهم فقالوا لأشمويل ما أخبر الله تعالى به عنهم في قوله تعالى : " ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله " الآيات . وذلك بعد ما دبر أشمويل أمرهم عشر سنين .
وإنما كان قوام أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءهم ، وكان الملك هو الذي يسير بالجنود ويقاتل العدو ، والنبي يقيم له أمره ويشير عليه ويرشده ، ويأتيه بالخبر من الله تعالى .
قال وهب : بعث الله تعالى أشمويل نبياً ، فلبثوا أربعين سنة بأحسن حال ، وكان من أمر جالوت الملك والعمالقة ما كان ، فسألوه أن يبعث لهم ملكاً ؛ فقال لهم : " هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا " . فأجابوه بما قص الله تعالى في كتابه : " قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله " الآية .
قال : فلما أخذ أشمويل ميثاقهم في الطاعة والجهاد سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً . والله أعلم بالصواب .

الصفحة 29