كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 38 """"""
على التنور . فأوحى الله عز وجل إليه : إنا لا نأخذ الرجال على صورهم ، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم . فقال لإيش هل بقي لك ولد غيرهم ؟ فقال لا . فقال النبي : رب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم . فقال كذب . فقال النبي : إن ربي كذبك . قال : صدق الله يا نبي الله ، إن لي ابناً صغيراً يقال له داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ، فخلفته في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا . وكان داود - ع - رجلاً قصيراً مسقاماً مصفاراً أزرق أشقر . فدعاه طالوت . ويقال : بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد حال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها ، فوجده يحمل شاتين شاتين فيجيزهما السيل ولا يخوض بهما الماء ؛ فلما رآه أشمويل قال : هذا هو لا شك فيه ، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم . فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض ؛ فقال له طالوت : هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري حكمك في ملكي ؟ قال نعم . قال : وهل أنست من نفسك شيئاً لتقوى به على قتله ؟ قال : نعم ، أنا أرعى فيجئ الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاة فأقوم له فأفتح لحييه عنها وأخرقهما إلى قفاه . فرده إلى عسكره ؛ فمر داود - ع - في الطريق بحجر فناداه : يا داود ، احملني فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا ، فحمله في مخلاته . ثم مر بحجر آخر فناداه : يا داود ، احملني فإني حجر موسى - ع - الذي قتل به ملك كذا وكذا ، فحمله في مخلاته . ثم مر بحجر آخر فقال : احملني فإني حجرك الذي تقتل به جالوت ، وقد خبأني الله لك ، فوضعه في مخلاته ، فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة ، انتدب له داود ، فأعطاه طالوت فرساً ودرعاً وسلاحاً ، فلبس السلاح وركب الفرس ، وسار قريباً ، ثم انصرف فرجع إلى الملك ، فقال من حوله : جبن الغلام . فجاء فوقف على الملك فقال : ما شأنك ؟ إن الله عز وجل إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئاً ، فدعني أقاتل كما أريد . قال نعم . فأخذ داود مخلاته فتقلدها ، وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت ، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم ؛ وكان يهزم الجيوش وحده ، وكان له بيضة

الصفحة 38