كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 39 """"""
فيها ثلاثمائة من حديدا ، فلما نظر إلى داود ألقى في قلبه الرعب ، فقال له : أنت تبرز لي ؟ قال نعم - وكان جالوت على فرس أبلق ، عليه السلاح التام - قال : تأتيني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب ؟ قال : نعم ، لأنت شر من الكلب . قال : لا جرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء . فقال داود : باسم الله ويقسم الله لحمك . وقال : بسم إله إبراهيم ، وأخرج حجراً ، ثم أخرج الآخر وقال : باسم إله إسحاق ، ووضعه في مقلاعه ، ثم أخرج الثالث وقال : باسم إله يعقوب ، ، ووضعه في مقلاعه ، فصارت كلها حجراً واحداً ، ودور المقلاع ورماه به ، فسخر الله تعالى له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة وخالط دماغه فخرج من قفاه ، وقتل من ورائه ثلاثين رجلاً ، وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلاً ، فأخذه داود فجره حتى ألقاه بين يدي طالوت . وقال الكسائي في هذه القصة : كان مع طالوت سبعة إخوة لداود ، وكان داود عند أبيه وهو صغير ، فقال له أبوه : قد أبطأ على خبر إخوتك مع طالوت ، فاحمل إليهم طعاماً وتعرف لي خبرهم . فمضى داود ومعه مخلاة له فيها الطعام ، وقد شد وسطه بمقلاع ؛ فبينا هو يسير إذ ناداه حجر من الأرض : خذني فأنا حجر أبيك إبراهيم . فأخذه ؛ ثم ناداه حجر آخر خذني فأنا حجر أبيك إسحاق . فأخذه ، ثم ناداه حجر آخر : خذني فأنا حجر أبيك يعقوب . فأخذه وسار حتى أتى العسكر ، فنزل على إخوته ، فلما كان من الغد تهيأ الجيشان للمحاربة ، فقال طالوت : أيها الناس ، من كفاني منكم أمر جالوت زوجته ابنتي ، وأشركته في ملكي ، وجعلته خليفتي من بعدي . فلم يجبه أحد إلا داود ؛ فخلع عليه وأركبه وطاف به في معسكره ؛ فلما كان من الغد ركبوا ، وأقبل جالوت بجيوشه وهو على فيل ، وكان طوله ثمانية عشر ذراعاً ، وطول داود عشرة أذرع ، فقال المؤمنون : " ربنا أفرغ علينا صبراً " الآية .
فبرز جالوت بين الصفين فبرز له داود ، فقال له جالوت : إنك صغير ولا سلاح معك فارجع ، فأبى ذلك ، وأخذ تلك الأحجار فوضعها في مقلاعه ورمى بها ، فوقع أحدها بميمنة جالوت فهزمها ، والثاني في الميسرة فانهزموا ، والثالث وقع على أنف بيضة جالوت فخرج من قفاه ، فسقط جالوت ميتاً ، وانهزم أصحابه .