كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 40 """"""
قالوا : ولما قتل داود جالوت ذكر الناس داود وعظم في أنفسهم ، فجاء إلى طالوت وقال له : أنجز لي ما وعدتني ، وأعطني امرأتي . فقال له طالوت : أتريد ابنة الملك بغير صداق ، عجل صداق ابنتي وشأنك بها . فقال له داود : ما شرطت علي صداقاً ، وليس لي شيء ، فتحكم في الصداق ما شئت وأقرضني مهرها وعلي الأداء والوفاء لك . فقال طالوت : أصدقها نصيبك من الملك . فقالت بنو إسرائيل : لا تظلمه وأنجز له ما وعدته به .
فلما رأى طالوت ميل بني إسرائيل إلى داود وحسن رأيهم فيه قال : لا حاجة لابنتي في المال ، ولا أكلفك إلا ما تطيق ، أنت رجل جريء ، وفي جبالنا أعداء من المشركين غلف فانطلق وجاهدهم ، فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني برءوسهم زوجتك ابنتي . فأتاهم داود ، وجعل كلما قتل منهم رجل احتز رأسه ونظمه في خيط حتى نظم رءوسهم فجاء بها إلى طالوت ، فألقاها إليه وقال : ادفع إلي امرأتي ، فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه ، فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا من ذكره ، فوجد طالوت من ذلك في نفسه وحسده وأراد قتله .
قال وهب بن منبه : وكانت الملوك يومئذ يتوكأون على عصى فيغرزون في أطرافها أزجة من حديد ، وكان بيد طالوت منها واحدة ، في رأسها رمانة من ذهب وأسفلها زج من حديد ، وداود جالس قريباً منه في ناحية البيت ، فرماه بها بغته ليقتله بها ، فلما أحس داود بذلك حاد عن طريقها ، وأمال نفسه عنها من غير أن يبرح من موضعه ، فارتكزت في الجدار ، فقال له داود : عمدت إلى قتلي ؟ قال طالوت : لا ، ولكن أردت أن أقف على ثباتك في الطعان وربط جأشك للأقران . قال داود : فألفيته على ما قدرته في ؟ قال : نعم ، ولعلك فزعت . قال : معاذ الله أن أخاف إلا الله تعالى وأرجوا إلا الله ، و لا يدفع الشر إلا الله . فانتزعها من الجدار ثم هزها هزة منكرة وقال له : " ثبت كما ثبت لك فأيقن طالوت بالهلاك ؛ فقال له : أنشدك الله والحرمة التي بيني وبينك إلا ما صفحت ؛ فقال داود : إن الله تعالى كتب في التوراة أن أجر السيئة مثلها ، واحدة بواحدة والبادي أظلم ؛ فقال طالوت : ألا تقول قول