كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 41 """"""
هابيل لأخيه قابيل : " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين " . قال داود : قد عفوت عنك لوجه الله تعالى . فلبث طالوت زمناً يريد قتل داود ، فعزم على أن يأتيه ويغتاله في داره ، فأخبر بذلك بنت طالوت رجل يقال له : ذو العينين ، فقالت لداود . إنك مقتول الليلة ؛ قال : ومن يقتلني ؟ قالت : أبي ، وأخبرته الخبر وقالت : لا عليك أن تغيب الليلة حتى تنظر مصداق ذلك . فأخذ داود زق خمر فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير ودخل طالوت نصف الليل ، فعمد إليه فضربه ضربة بالسيف فسالت الخمر ، فلما وجد ريحها قال : رحم الله داود ، ما كان أكثر شربه للخمر ، وخرج ، فلما أصبح علم أنه لم يصنع شيئاً ، فقال : إن رجلاً طلبت منه ما طلبت لخليق ألا يدعني حتى يطلب مني ثأره ؛ فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه الأبواب ، فأتاه داود ليلة وقد هدأت العيون وأعمى الله الحجاب عنه وفتح له الأبواب ، ودخل عليه وهو نائم على فراشه فوضع سهماً عند رأسه وسهماً عند رجليه وسهماً عن يمينه وسهماً عن شماله ثم خرج . فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها ، فقال : رحم الله داود فهو خير مني ، ظفرت به فقصدت قتله ، وظفر بي فكف عني ، لو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه . فلما كانت الليلة القابلة أتاه ثانية ، وأعمى الله الحجاب ، فدخل وهو نائم ، فأخذ إبريق طالوت الذي كان يتوضأ به وكوزه الذي يشرب منه ، وقطع شعرات من لحيته وشيئاً من هدب ثيابه ، ثم خرج وهرب وتوارى ؛ فلما أصبح ورأى ذلك نصب على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه ، ثم ركب طالوت يوماً فوجد داود يمشي في البرية فقال : اليوم أقتل داود ، وكان داود إذا فر لم يدرك ، فركض داود حتى دخل غار ، فأمر الله العنكبوت أن تنسج ، فنسجت عليه بيتاً ، وجاء طالوت إلى الغار فنظر إلى بيت العنكبوت فقال : لو كان هاهنا لخرق بيت العنكبوت ، فتركه ومضى ، وانطلق داود إلى الجبل ومعه المتعبدون ، فجعل يتعبد فيه .
وطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود ، فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن داود إلا قتله . وأغرى بقتل العلماء ، فلم يكن يقدر في بني إسرائيل على عالم ويطيق قتله إلا قتله ولم يكن طالوت يحارب جيشاً إلا هزمه ، حتى أتى بامرأة تعلم اسم الله الأعظم ، فأمر جباره بقتلها ، فرحمها الجبار وقال : لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها .

الصفحة 41