كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
ثم وقع في قلب طالوت التوبة ، وندم على ما فعل ، وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس ، وكان كل ليلة يخرج إلى القبور ويبكي وينادي : أنشد الله عبداً يعلم لي التوبة إلا أخبرني . فلما كثر عليهم بكاؤه ناداه مناد من قبر : يا طالوت ، أما ترضى أنك قتلتنا حتى تؤذينا أمواتاً ، فازداد بكاء وحزناً ، فقال له الجبار : مالك أيها الملك ؟ قال : هل تعلم لي في الأرض عالماً أسأله ؟ هل لي من توبة ؟ قال الجبار : هل تدري ما مثلك ؟ إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء ، فصاح ديك فتطير به ، فقال : لا تتركوا في هذه القرية ديكاً إلا ذبحتموه . فلما أراد أن ينام قال لأصحابه : إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج . فقالوا له : وهل تركت ديكاً يسمع صوته ؟ وأنت هل تركت في الأرض عالماً ؟ فازداد طالوت حزناً وبكاء ؛ فلما رأى الجبار ذلك قال له : أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله ؟ قال لا . فتوثق منه الجبار وأخبره أن المرأة العالمة عنده ؛ قال : فانطلق بي إليها حتى أسألها هل لي من توبة ؟ - وكان إنما يعلم ذلك أهل بيت لهم علم بالاسم الأعظم - فلما بلغ طالوت الباب قال له الجبار : إنها إن رأتك فزعت ، فخلفه خلفه ، ثم دخل عليها فقال لها : ألست أعظم عليك حرمة ، أنجيتك من القتلى وآويتك عندي ؟ قالت بلى . قال : فإن لي إليك حاجة . قالت : وما هي ؟ قال : هذا طالوت يسأل هل له من توبة ؟ فقالت : لا والله ما لطالوت من توبة ، ولكن هل تعلمون مكان قبر أشمويل ؟ قال نعم . قالت : فانطلقوا بي إلى قبره ، ففعلوا ، فصلت ثم نادت : يا صاحب القبر أخرج . فخرج أشمويل من قبره ينفض رأسه من التراب . فلما نظر إليهم ثلاثتهم . المرأة والجبار وطالوت قال : ما لكم أقامت القيامة ؟ قالت : لا ، ولكن طالوت يسألك هل له من توبة ؟ قال أشمويل : يا طالوت ، ما فعلت بعدي ؟ قال : لم أدع من الشر شيئاً إلا فعلته ، وقد جئت أطلب التوبة . قال : كم لك من الولد ؟ قال : عشرة رجال . قال : ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى عن مالك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله ، ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ، ثم تقاتل أنت حتى تقتل آخرهم . ثم رجع أشمويل إلى القبر وسقط ميتاً ،