كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 43 """"""
ورجع طالوت أحزن ما كان ، رهبة ألا يتابعه أولاده ، وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ، ونحل جسمه . فدخل عليه أولاده فقال لهم : أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تنقذونني ؟ قالوا : بلى ، ننقذك بما قدرنا عليه . قال : فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول . قالوا : فاعرض علينا ، فذكر لهم القصة . قالوا : فإنك لمقتول ؟ قال نعم . قالوا : فلا خير لنا في الحياة بعدك ، قد طابت أنفسنا بالذي سألت . فتجهز للغزو بماله وولده ، فتقدم ولده فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ؛ ثم تقدم فقاتل بعدهم حتى قتل . فجاء قاتله إلى داود يبشره وقال : قد قتلت عدوك . فقال داود : ما أنت بالذي تحيا بعده . فضرب عنقه .
وحكى الكسائي : أن طالوت لما حسد داود على ما أوتى من القوة ، وهم بالغدر مراراً فلم يظفر به وظفر به داود فأبقى عليه ، اعتذر له طالوت واتفقا ؛ ثم مات أشمويل ، فانضم بنو إسرائيل إلى داود واختلفوا على طالوت وحاربوه ؛ فاستقل داود بالملك ، وجاهد ببني إسرائيل وقهر الأعداء . والله تعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .
ذكر خلافة داود عليه السلام ونبوته ومبعثه إلى بني إسرائيل وما خصه الله عز وجل به
هو داود بن إيش بن عويل بن باعد بن سلمون بن يحسون بن عمى بن مارب ابن أرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام قال الله تعالى : " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " قال الكسائي : لما مات أشمويل تفرق بنو إسرائيل واشتغلوا باللهو ، فبعث الله تعالى داود - ع - وأعطاه سبعين سطراً من الزبور ، وأعطاه حسن الصوت ، فكان إذا سبح سبحت الجبال معه والطير والوحش ؛ قال الله تعالى : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ، والطير محشورة كل له أواب " أي مطيع .
وقال أبو إسحاق الثعلبي : قالت العلماء بأخبار الأنبياء : لما استشهد طالوت أتى بنو إسرائيل إلى داود فأعطوه خزانة طالوت وملكوه على أنفسهم ، وذلك بعد قتل جالوت بسبع سنين ، ولم يجتمع بنو إسرائيل بعد يوشع بن نون على ملك واحد إلا على داود - ع - .

الصفحة 43