كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 44 """"""
قال : وخص الله تعالى نبيه داود بخصائص : منها : أنه أنزل عليه الزبور بالعبرانية خمسين ومائة سورة ، في خمسين منها ما يكون من بختنصر وأهل بابل ؛ وفي خمسين ما يكون من أهل إبرون ، وفي خمسين منها موعظة وحكمة ؛ ولم يكن فيها حلال ولا حرام ، ولا حدود ولا أحكام ؛ وذلك قوله تعالى : " وآتينا داود زبوراً " .
ومنها : الصوت الطيب ، والنغمة اللذيذة ، والترجيع في الألحان ؛ ولم يعط الله تعالى أحداً من خلقه مثل صوته ، فكان يقرأ الزبور بسبعين لحناً بحيث يعرى المحموم ويفيق المغشى عليه .
وكان إذا قرأ الزبور برز إلى البرية ، فيقوم ويقرأ ويقوم معه علماء بني إسرائيل خلفه ، ويقوم الناس خلف العلماء ، وتقوم الجن خلف الناس ، وتقوم الشياطين خلف الجن ، وتدنو الوحوش والسباع حتى تؤخذ بأعناقها ، وتظله الطير مصيخة ، ويركد الماء الجاري ويسكن الريح .
قال الثعلبي : وما صنعت المزامير والبرابط والصنوج إلا على صوته ، وذلك أن إبليس حسده واشتد عليه أمره ، فقال لعفاريته : ترون ما دهاكم ؟ فقالوا : مرنا بما شئت . قال : فإنه لا يصرف الناس عن داود إلا ما يضاده ويحاده في مثل حاله . فهيأ المزامير والأعواد والأوتار والملاهي على أجناس أصوات داود - ع - فسمعها سفهاء الناس فمالوا إليها واغتروا بها .
ومنها : تسبيح الجبال والطير معه ؛ قال الله تعالى : " ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير " . وقوله تعالى : " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق " . يقال : إن داود كان إذا تخلل الجبال يسبح الله تعالى