كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 45 """"""
جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح . ثم قال في نفسه ليلة من الليالي : لأعبدن الله عبادة لم يعبد مثلها ، فصعد الجبل ، فلما كان في جوف الليل وهو على جبل داخلته وحشة ، فأوحى الله إلى الجبال : أن آنسي داود ، فاصطكت الجبال بالتسبيح والتهليل . فقال داود في نفسه : كيف يسمع صوتي مع هذه الأصوات ؟ فهبط عليه ملك وأخذ بعضده حتى انتهى به إلى البحر ، فوكزه برجله فانفرج له البحر ، فانتهى إلى الأرض فوكزها برجله فانفجرت له الأرض ، حتى انتهى إلى الحوت فوكزه برجله ، فانتهى إلى الصخرة ، فوكز الصخرة برجله ، فانفلقت فخرجت منها دودة تنش ، فقال : إن الله تعالى يسمع نشيش هذه الدودة في هذا الموضع . قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان داود يفهم تسبيح الحجر والشجر والمدر .
ومنها : أن الله تعالى أكرمه بالحكم وفصل الخطاب . قالوا : والحكمة : الإصابة في الأمور . واختلفوا في فصل الخطاب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : بيان الكلام . وقال ابن مسعود والحسن : المعنى علم الحكم والنظر في القضاء ، كان لا يتتعتع في القضاء بين الناس . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : هو البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه . وقال كعب : الشهود والأيمان . وقال الشعبي : سمعت زياداً يقول : فصل الخطاب الذي أعطى داود : أما بعد . قال الأستاذ : وهو أول من قالها .
ومنها : السلسلة التي أعطاه الله إياها ، ليعرف المحق من المبطل في المحاكمة إليه . قال الثعلبي : روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الله تعالى أعطى داود سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ، ورأسها عند محراب داود حيث يتحاكم إليه ، وكانت قوتها قوة الحديد ، ولونها لون النار ، وحلقها مستديرة ، مفصلة

الصفحة 45