كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 46 """"""
بالجوهر ، مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب ، فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة ، فيعلم داود ذلك الحدث ؛ ولا يلمسها ذو عاهة إلا برئ ، وكان علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ويمسحوا بأكفهم على صدورهم . وكانوا يتحاكمون إليه ، فمن تعدى على صاحبه أو أنكره حقاً أتوا السلسلة ، فمن كان صادقاً محقاً مد يده إلى السلسة فنالها ، ومن كان كاذباً ظالماً لم ينلها ؛ فكانت كذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخديعة . قال : فبلغنا أن بعض ملوكهم أودع رجلاً جوهرة ثمينة ، فلما استردها منه أنكره ذلك ، فتحاكما إلى السلسلة ، فعلم الذي كانت عنده الجوهرة أن يده لا تنال السلسلة ، فعمد إلى عكازة فنقرها ثم ضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر معه غريمه عند السلسلة ، فقال لصاحبها : ما أعرف لك من وديعة ، إن كنت صادقاً فتناول السلسلة ، فتناولها بيده وقال لمنكر : قم أنت أيضاً فتناولها ، فقال لصاحب الجوهرة : إلزم عكازتي هذه حتى أتناول السلسلة . فأخذها وقام الرجل وقال : اللهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة . فمد يده وتناولها ، فشك القوم وتعجبوا ، فأصبحوا وقد رفع الله تلك السلسلة .
وقال الكسائي في خبر السلسلة : أوحى الله تعالى إلى داود أن ينصب السلسلة من حديد ويعلق فيها جرساً ، ففعل ذلك ، وساق في خبرها نحو ما تقدم في أمر المحق والمبطل .
قال : وجاء خصمان فادعى أحدهما على الآخر أنه أودعه جوهراً ؛ فاعترف به وقال : أعدته إليه ، فتقام المدعي وتناول السلسلة فدنت منه حتى تناولها ، ثم قال للمدعى عليه : تناولها . وكان قد أخذ الوديعة فجعلها في قناة مجوفة ، فناولها للمدعي وقال : الزم عصاي هذه ، ومد يده إلى السلسلة فدنت منه حتى كاد يتناولها ؛ ثم ارتفعت وتدلت إليه مراراً ، ثم تناولها ، فقال داود للمدعي : لعل هذا قد سلم وديعتك لأهلك . فرجع وسأل أهله ، فقالوا : ما دفع إلينا شيئاً . فعاد وأعلم داود ، فأخذ داود القناة وشقها ، فطلعت الوديعة منها ؛ وارتفعت السلسلة من ذلك اليوم .

الصفحة 46