كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 48 """"""
ويقال : كان لداود إذا جلس للحكم عن يمينه ألف رجل من الأنبياء ، وعن يساره ألف رجل من الأحبار .
ومنها : شدة البطش . فروى أنه ما فر ولا انحاز من عدو له قط ، ولذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح عن داود - ع - : " كان يصوم يوماً ويفطر يوماً " . ومنها : إلانة الحديد له . قال الله تعالى : " وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد " . قالوا : وكان سبب ذلك أن داود - ع - لما ملك أمر بني إسرائيل ، كان من عادته أن يخرج للناس متنكراً ، فإذا رأى رجلاً لا يعرفه تقدم إليه وسأله ، فيقول له : ما تقول في داود واليكم هذا ؟ أي رجل هو ؟ فيثنون عليه ويقولون خيراً ؛ فبينما هو ذات يوم إذ قيض الله له ملكاً في صورة آدمي ، فتقدم داود إليه فسأله على عادته ، فقال له : نعم الرجل هو لولا خصلة فيه . فراع داود ذلك ، فقال : ما هي يا عبد الله ؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، قال : فتنبه داود لذلك ، وسأله الله تعالى أن يسبب له سبباً يستغني به عن بيت المال ، فألان الله له الحديد ، فصار في يده مثل الشمع والعجين والطين المبلول ، فكان يصرفه بيده كيف شاء من غير إدخال نار ولا ضرب بحديد .
وعلمه الله تعالى صنعة الدروع فهو أول من اتخذها وكانت قبل ذلك صفائح وقيل : إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة آلاف ، فيأكل ويطعم عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ، وذلك قوله تعالى : " وعلمناه صنعة لبوس لكم " الآية . وقوله : " وألنا له الحديد أن اعمل سابغات " أي دروعاً كوامل واسعات " وقدر في السرد " ، أي لا تجعل المسامير دقاقاً فتنفلق ، ولا غلاظ فتكسر الحلق ، فكان يفعل ذلك حتى جمع منه مالاً .
وروى أن لقمان الحكيم رأى داود وهو يعمل الدروع ، فعجب من ذلك ولم

الصفحة 48