كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 49 """"""
يدر ما هو ؟ فأراد أن يسأله ، فسكت حتى فرغ داود من نسج الدروع ، فقام وصبها على نفسه وقال : نعم القميص هذا للرجل المحارب . فعلم لقمان ما يراد به ، فقال : الصمت حكمة وقليل فاعله . والله أعلم .
ذكر خبر داود عليه السلام حين ابتلي بالخطيئة
قال الثعلبي رحمه الله : اختلف العلماء في سبب امتحان الله تعالى نبيه داود - ع - فقيل : إنه تمنى يوماً من الأيام على ربه تعالى منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأله أن يمتحنه نحو الذي كان يمتحنهم به ، ويعطيه من الفض نحو الذي أعطاهم . قال : وروى السدي والكلبي ومقاتل عن أشياخهم دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، قالوا : كان داود - ع - قسم الدهر ثلاثة أيام : يوماً يقضي فيه بين الناس ، ويوماً لعبادة ربه ، ويوماً يخلو فيه بنسائه وأولاده وأشغاله ؛ وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام فقال : يا رب إن الخير كله ذهب به آبائي الذين كانوا من قبلي . فأوحى الله تعالى إليه : أنهم ابتلوا ببلايا لم تبتل بها فصبروا عليها ؛ ابتلي إبراهيم بالنمرود وبذبح ابنه ، وابتلى إسحاق بالذبح وبذهاب بصره ، وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف ، وإنك لم تبتل بشيء من ذلك . فقال داود - ع - : رب فابتليني مثل ما ابتليتهم وأعطني ما أعطيتهم . فأوحى الله تعالى إليه : إنك مبتلى في شهر كذا في يوم كذا فاحترس . فلما كان ذلك اليوم الذي وعده الله عز وجل دخل داود محرابه وأغلق بابه ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الشيطان ، تمثل له في صورة حمامة من ذهب ، فيها من كل لون حسن ؛ فوقعت بين رجليه ، فمد يده ليأخذها . وفي بعض الروايات : ليدفعها إلى ابن له صغير ، فلما أهوى إليها طارت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها ؛ فامتد إليها ليأخذها ، فتنحت ، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت من الكوة ؛ فنظر داود - ع - أين تقع فيبعث إليها من يصيدها ؛ فأبصر امرأة في بستان على شط بركة لها تغتسل ، هذا قول الكلبي . وقال السدي :

الصفحة 49