كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
أورياء وتقدم في الحرب وهلاكه . فلما بلغه قتله لم يجزع عليه ولم يتوجع له كما كان يجزع على غيره من جنده إذا هلك ، ووافق قتله مراده ، ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك ؛ لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهي عظيمة عند الله تعالى .
وقال بعضهم : ذنب داود أن أورياء كان قد خطب تلك المرأة ووطن نفسه عليها ، فلما غاب في غزاته خطبها داود ، فتزوجت منه لحلالته ؛ فاغتم لذلك أورياء غماً شديداً ، فعاتبه الله تعالى على ذلك ، حيث لم يترك هذه الواحدة لخاطبها الأول ، وقد كانت عنده تسع وتسعون امرأة . قالوا : فلما علم داود أنه ابتلى سجد فمكث أربعين ليلة ساجداً باكياً حتى نبت الزرع من دموعه ، وأكلت الأرض من جبينه ، وهو يقول في سجوده : رب داود زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب ، رب إن لم ترحم ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلوف من بعده . فجاء جبريل - ع - بعد أربعين ليلة فقال : يا داود ، إن الله تعالى قد غفر لك الهم الذي هممت به . فقال داود : عرفت أن الرب قادر على أن يغفر لي ، وقد عرفت أن الله عدل لا يميل ، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال : يا رب ، دمي الذي عند داود ؟ فقال جبريل : ما سألت ربك عن ذلك ، ولئن شئت لأفعلن . قال نعم . فعرج جبريل - ع - وسجد داود فمكث ما شاء الله ، ثم نزل جبريل فقال : قد سألت يا داود ربك عن الذي أرسلتني فيه فقال : قل لداود : إن الله يجمعكما يوم القيامة ، فيقول له : هب لي دمك الذي عند داود ؛ فيقول : هو لك يا رب ، فيقول : فإن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضاً .
وروى الثعلبي بسند رفعه إلى ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه ، قالوا جميعاً : إن داود - ع - لما دخل عليه الملكان فقضى على نفسه تحولا عن صورتهما ، فعرجا وهما يقولان : قضى الرجل على نفسه . وعلم داود أنه عني به ، فخر ساجداً أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب ولا يرفع رأسه إلا لحاجة أو لوقت صلاة مكتوبة ثم يعود ساجداً ، لا يرفع رأسه إلا لحاجة لا بد منها ثم يعود ، فسجد تمام