كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه ، وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله التوبة ويدعو بدعاء طويل ذكره الثعلبي ، في آخر كل كلمة منه : سبحان خالق النور .
قال : فأتاه نداء : يا داود ، أجائع أنت فتطعم ، أظمأن أنت فتسقى ، أمظلوم أنت فتنصر ، ولم يجبه في ذكر خطيئته بشيء . فصاح صيحة هاج منها ما حوله ؛ ثم نادى : يا رب الذنب الذي أصبته . فنودي : يا داود ، ارفع رأسيك فقد غفرت لك . فلم يرفع رأسه حتى جاء جبريل - ع - فرفعه .
قال وهب : إن داود - ع - أتاه نداء : إني قد غفرت لك قال : يا رب ، كيف وأنت لا تظلم أحداً ؟ قال : اذهب إلى قبر أورياء ، فناده وأنا أسمعه نداءك ، فتحلل منه . فانطلق حتى أتى قبره وقد لبس المسوح ، فجلس ثم نادى : يا أورياء . فقال : لبيك ، من هذا الذي قطع علي لذتي وأيقظني ؟ قال : أنا داود . قال : ما جاء بك يا نبي الله ؟ قال : أسألك أن تجعلني في حل مما كان مني إليك . قال : وما كان منك إلي ؟ قال : عرضتك للقتل . قال : عرضتني للجنة ، فأنت في حل . فأوحى الله تعالى إليه : يا داود ، ألم تعلم أني حكم عدل لا أقضي بالغيب والتغرير ؟ ألا أعلمته أنك قد تزوجت امرأته .
قال : فرجع إليه فناداه ؛ فأجابه فقال : من هذا الذي قطع علي لذتي ؟ قال : أنا داود . قال : يا نبي الله ، أليس قد عفوت عنك . قال : نعم ، ولكن إنما فعلت ذلك لمكان امرأتك فتزوجتها ، فسكت ولم يجبه ، وعاوده فلم يجبه ، فقام عند قبره وحثا التراب على رأسه ثم نادى : الويل لداود ثم الويل لداود إذا نصبت الموازين القسط ليوم القيامة ، سبحان خالق النور . الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم ، سبحان خالق النور . الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار ، سبحان خالق النور . الويل لداود ثم الويل الطويل له حين تقربه الزبانية مع الظالمين إلى النار ، سبحان خالق النور .

الصفحة 54