كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
فذكروا قيمتها ، فتقاربت القيم ، فقال : ادفعوا أغنامكم إليهم بقيمة زرعهم . فقال سليمان : يا أبت إن أذنت لي تكلمت . قال : يا بني تكلم بما عندك . فقال سليمان لأرباب الغنم : ادفعوا أغنامكم إلى هؤلاء ينتفعوا بأصوافها وألبانها ونتاجها ، وخذوا أنتم أرضهم فاحرثوها وازرعوها واسقوها حتى يقوم الزرع على مسوقه ، فإذا بلغ الحصاد فسلموا إليهم أرضهم بزرعها وخذوا أغنامكم ، فرضوا جميعاً بذلك . قال الله تعالى : " ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً " .
قال : ولما نظر مشايخ بني إسرائيل إلى جلوس سليمان عن يمين أبيه مع صغر سنه حسدوه على ذلك . فأوحى الله إلى داود أن يقيم سليمان خطيباً ليسمعهم من الحكمة ما ألهمه الله ليعلموا فضله عليهم . فجمع داود الناس حتى العباد والرهبان وأهل السياحة إلى محرابه ، وكانت سن سليمان يومئذ اثنتي عشرة سنة ، فأخرجه داود إليهم وألبسه لباس النبيين من الصوف الأبيض وقال : هذا ابني قد أخرجته إليكم خطيباً ليورد عليكم ما علمه الله تعالى . فجلس على منبر أبيه وحمد الله تعالى ووحده ، ووصف عجائب خلقه وصنعه ؛ فسجدوا شكراً لله ، ونظروا إليه بعد ذلك بالعين الرفيعة وأجلوه ، وأعطى سليمان في حياة أبيه من العلم ما فسر لبني إسرائيل خطبة آدم ووصية شيث ورفع إدريس وغير ذلك .
ذكر خبر الذين اعتدوا في السبت
قال الله تعالى : " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين " . وقال تعالى : " واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت " الآية . قال الكسائي : وكان في زمن داود - ع - قوم من بني إسرائيل من أبناء الذين كانوا مع موسى ؛ وكانوا ينزلون على ساحل البحر بقرية يقال لها : أيلة وكان الله قد حرم على بني إسرائيل أن يشتغلوا يوم السبت ، وأوجب عليهم فيه العبادة ؛ لأن موسى - ع - أمرهم بالعبادة يوم الجمعة فأبوا وقالوا : لا ينبغي لنا أن نستغل بعبادة الرب إلا في اليوم الذي فرغ فيه من الخلق ، وهو يوم السبت . فلما اختاروه شدد الله عليهم فيه ؛ قال الله تعالى : " إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه " . وكان موسى يأمر قومه بتعظيمه ، فكانوا كذلك مدة ، وكان على