كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 62 """"""
فاليقين . وأما أكثر الأشياء فالشكر . وأما القائمان : فالسماء والأرض . وأما المختلفان : فالليل والنهار . وأما المتباغضان : فالموت والحياة . وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم . وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة عند الغضب .
قال : ففكوا الخاتم ، فإذا جواب المسائل سواء على ما نزل من السماء . فقال القسيسون والأخبار : لا نرضى حتى نسأله عن مسألة ، فإن هو أخرجها فهو الخليفة . قال : سلوه . قال سليمان : سلوني وما توفيقي إلا بالله . قالوا : ما الشيء الذي إذا صلح صلح كل شيء من الإنسان ، وإذا فسد فسد كل شيء منه ؟ قال : هو القلب . فقام داود وصعد المنبر وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : إن الله أمرني أن أستخلف عليكم سليمان . قال : فضجت بنو إسرائيل وقالوا : غلام حدث يستخلف علينا وفينا من هو أعلم وأفضل منه فبلغ ذلك داود ، فدعا رءوس أسباط بني إسرائيل وقال : إنه بلغتني مقالتكم ، فأروني عصيكم ، فأي عصا أثمرت فإن صاحبها ولي هذا الأمر بعدي ، فقالوا : قد رضينا . فجاءوا بعصيهم ؛ فقال هلم داود : ليكتب كل رجل منكم اسمه على عصاه ؛ فكتبوا . ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ؛ ثم أدخلت بيتاً وأغلق عليها الباب وسكر بالأقفال ، وحرسه رءوس أسباط بني إسرائيل . فلما أصبح صلى بهم الغداة ؛ ثم أقبل وفتح الباب وأخرج عصيهم كما هي ، وعصا سليمان قد أثمرت وأورقت . قال : فسلموا ذلك لداود ، فأخذ ابنه سليمان ثم سار به في بني إسرائيل فقال : هذا خليفتي فيكم من بعدي . قال وهب بن منبه : لما استخلف داود ابنه وعظه فقال : يا بني ، إياك والهزل ؛ فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الإخوان . وإياك والغضب ؛ فإن الغضب يستخف صاحبه . وعليك بتقوى الله وطاعته ؛ فإنهما يغلبان كل شيء . وإياك وكثرة الغيرة على أهلك من غير شيء ؛ فإن ذلك يورث سوء الظن بالناس وإن كانوا براء . واقطع طمعك عن الناس ؛ فإنه هو الغنى . وإياك والطمع فهو الفقر الحاضر . وإياك وما يعتذر منه من القول والفعل . وعود نفسك ولسانك الصدق ؛ والزم الإحسان ؛ فإن استطعت أن يكون يومك خيراً من أمسك فافعل . وصل صلاة مودع ، ولا تجالس السفهاء ، ولا ترد على عالم ولا تماره في الدين . وإذا غضبت فالصق نفسك بالأرض وتحول من مكانك . وارج رحمة الله فإنها واسعة وسعت كل شيء .

الصفحة 62