كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
ذلك ، فصرت كما ترى ، لما سمعتهم يقولون : اتخذ الرحمن ولداً . وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا . ولقد دعا لي أبوك آدم ونوح بطول العمر ، وسمعت أباك إبراهيم يتلوا آية يخضع لها كل شيء ، وهي : " كل نفس بما كسبت رهينة " . ثم تقدمت الحمامة فسلمت عليه وقالت : يا نبي الله ، أنا الحمامة التي اختارني أبوك آدم لنفسه إلفاً وأنيساً ، وكنت آنس به وبتسبيحه ؛ وكان إذا ذكر الجنة يصيح صيحة عظيمة ويقول : أتراني أرجع إليها ؟ وإن لم أرجع إليها كنت من الخاسرين . واعلم يا نبي الله أنه قد علمني كلمات حفظتها عنه ، وهي : الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين . وقد أقبلت إليك طائعة لأمرك ، فمرني بما شئت .
ثم تقدم الهدهد فسلم عليه وسجد بين يديه وقال : ما أحببت أحداً كما أحببتك ، لأني رأيت الدنيا ضاحكة لك ، وقد أعطاك الله ملكاً عظيماً ، فاتخذني رسولاً آتك بالأخبار ، وأدلك على مواضع الماء . فقال له : أراك أكيس الطيور ، وأرى فخاخ بني إسرائيل تصطادك ، ولا تغني عنك كياستك شيئاً . قال الهدهد : يا نبي الله ، الحيلة لا تنفع مع القضاء والقدر ، وإن الله يضيف إلى عقل المخلوق سبعين ضعفاً ثم ينفذ فيه حكمه وقضاءه . قال : صدقت . ثم سجد بين يديه مراراً .
ثم تقدم إليه الديك وهو آخر من تقدم ، فوقف بين يديه وهو في نهاية الحسن ، وضرب بجناحيه ، وصاح صيحة أسمع الملائكة والطيور وجميع من حضر وقال في صياحه : يا غافلين اذكروا الله . ثم قال : يا نبي الله ، إني كنت مع أبيك آدم وكنت أوقظه أوقات الصلوات ، ومع نوح في الفلك ، ومع أبيك إبراهيم وكنت أسمعه يقول : " اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " . واعلم يا نبي الله أني ما صحت صيحة إلا أفزعت بها الجن والشياطين . ففرح سليمان به وأمره أن يكون معه حيثما كان . ووقف كل طير بين يديه ، وفرغ من حشر الطيور وعرفها بأسمائها ومنطقها ، وكانوا يعبدون الله بالليل والنهار ، وكذلك الوحوش والسباع ، حتى عرف كل واحد منهم باسمه وصفته ونعته .