كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 68 """"""
ذكر خبر العنقاء في القضاء والقدر
قال أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله تعالى بسند رفعه إلى جعفر بن محمد الصادق قال : عاتب سليمان الطير في بعض عتابه فقال لها : إنك تأتين كذا ، وتفعلين كذا ، فقالت له : والله رب السماء والثرى ، إنا لنحرص على الهدى ، ولكن قضاء الله يأتي إلى منتهى علمه وقدره . قال سليمان : صدقت ، لا حيلة في القضاء . فقالت العنقاء : لست أومن بهذا . قال لها سليمان : أفلا أخبرك بأعجب العجب ؟ قالت بلى . قال : إنه ولد الليلة غلام في المغرب ، وجارية في المشرق ، هذا ابن ملك وهذه بنت ملك ، يجتمعان في أمنع المواضع وأهولها على سفاح بقدر الله تعالى فيهما . قالت العنقاء : يا نبي الله ، وقد ولدا ؟ قال : نعم الليل . قالت : فهل أخبرت بهم ؟ من هما وما اسمهما واسم أبويهما ؟ قال : بلى ، اسمهما كذا وكذا ، واسم أبويهما كذا وكذا . قالت : يا نبي الله ، فإني أفرق بينهما وأبطل القدر . قال : فإنك لا تقدرين على ذلك . قالت بلى . فأشهد سليمان عليها الطير وكفلتها البومة . ومرت العنقاء وكانت في كبر الجمل عظماً ، ووجهها وجه إنسان ، ويداها وأصابعها كذلك ؛ فحلقت في الهواء حتى أشرفت على الدنيا وأبصرت كل دار فيها ، وأبصرت الجارية وطارت ، ومرت حتى انتهت بها إلى جبل شاهق في السماء ، أصله في جوف البحر ، وعليه شجرة عالية في السماء ، لا ينالها طائر إلا بجهد ، لها ألف غصن ، كل غصن كأعظم شجرة في الأرض ، كثيرة الورق ، فاتخذت لها فيه وكرا عجيباً واسعاً وطيئاً ، وأرضعتها واحتضنتها تحت جناحها ، وصارت تأتيها بأنواع الأطعمة والأشربة ، وتكنها من الحر والبرد ، وتؤنسها بالليل ، ولا تخبر أحداً بشأنها ، وتغدو إلى سليمان وتروح إلى وكرها . وعلم سليمان بذلك ولم يبده لها ، وبلغ الغلام مبلغ الرجل ، وكان ملكاً من ملوك الدنيا ، وكان يلهو بالصيد ويحبه ويطلبه حتى نال منه عظيماً . فقال يوماً

الصفحة 68