كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
لأصحابه : كل صيد البر وفلواته ومفازاته قد تمكنت من صيده ، فلو ركبت البحر لأنال من صيده فإنه كثير الصيد كثير العجائب . فقال وزير من وزرائه : نعم ما رأيت ، وهو أكثر ما خلق الله صيداً . فأمره بجهازه ، وهيأ السفن وجعل يختار من كل شيء يملكه ، وأخذ من الوزراء والندماء والمشيرين والجواري والغلمان والطباخين والخبازين والبزاة والصقور وغير ذلك مما يريده ويشتهيه من الملاهي والشراب ، وركب ومر في البحر يتصيد ويتلذذ لا يعرف شيئاً غير ذلك ، حتى سار مسيرة شهر ، فأرسل الله تعالى على سفينته ريحاً عاصفاً خفيفة ساقتها حتى وصلت بها إلى جبل العنقاء الذي فيه الجارية ، وذلك مسيرة خمسين سنة في خمسين ليلة ، ثم ركدت سفينته بإذن الله تعالى ، وأصبح الغلام فرأى سفينته راكدة ، فأخرج رأسه من السفينة ، فرأى الجبل وهو في لون الزعفران صفرة ، وطوله لا يدرى أين منتهاه ولا عرضه ، ورأى الشجرة فإذا هي كثيرة الأغصان والورق ، ورقها عرض آذان الفيلة ليس لها ثمر ، بيضاء الساق ، فقال : إني أرى عجباً ، أرى جبلاً شاهقاً لم أر مثله ، وأرى شجرة حسنة قد أعجبني منظرها ، فحرك سفينته نحو الجبل ، فسمعت الجارية التي في عش العنقاء صوت الماء وكلام الناس ، ولم تكن سمعت قبل ذلك شيئاً من ذلك ؛ فأخرجت رأسها من العش ، فتطلعت فرأى الملك صورتها في الماء ، ورأى عجباً من جمالها وكثرة شعرها وذوائبها ؛ فرفع رأسه إلى الشجرة فرأى الجارية ، فأبصر أمراً عظيماً فأخذه القلق ، فناداها : من أنت ؟ فأفهمها الله تعالى لغته وقالت : لا أدري ما تقول ولا من أنت إلا أني أراك يشبه وجهك وجهي وكلامك كلامي وإني لا أعرف شيئاً غير العنقاء ، وهي أمي التي ربتني وتسميني بنتها . فقال لها الغلام : وأين العنقاء أمك ؟ قالت : في نوبتها . قال : وما نوبتها قالت : تغدو كل يوم إلى ملكها سليمان فتسلم عليه وتقيم عنده إلى الليل ، ثم تروح وتجيئني وتحدثني بما فعل سليمان وبما حكم وقضى ، وإنه لملك عظيم ، على ما تصف أمي العنقاء ، وإنها تخبرني أنه يشبهني إلا أنها تخبر أنه أحسن وجهاً وأتم مني .